عرض المقال
هل سنضحى بالعلم والوطن لنحافظ على صورة «عبد العاطي»؟!
2014-03-03 الأثنين
العلم هو طريقة تفكير ومنهج بحث وأسلوب ابتكار وليس مجموعة معارف أو ركام معلومات، والبحث العلمى مثله مثل الزواج الشرعى يلزمه إعلان وإشهار وشهود، لا يوجد فى العلم زواج عرفى أو علاقات سرية، لذلك ابتسمت وأنا أستمع إلى المخترع «عبد العاطي» وهو يتحدث عن السر الحربى والتكتم العسكرى والاتنين مليار اللى كانت عايزه تدفعهم أمريكا ثمناً للاكتشاف، والثلاث عمليات اغتيال التى تعرض لها سيادته.. إلى آخر هذا الكلام الذى لا يتفق مع أبجديات العلم ومعنى ومفهوم البحث العلمى الحقيقى الذى لم يعد يعرف كتمان الغرف المغلقة ولم يعد يحتمل جو السحرة وصوبة الكهان وأكشن أفلام المافيا، بل صار ينمو فى الهواء الطلق وعلى صفحات المجلات العلمية وقاعات المؤتمرات العالمية، وللأسف صار الدفاع عن صورة «عبدالعاطى» عند بعض المسئولين أهم من الدفاع عن صورة الوطن والجيش والعلم، تحول الأمر -وتلك هى الكارثة- إلى قضية كرامة شخصية، واختلط الذاتى بالموضوعى، وصار كل نقد لطريقة البحث وانتقاد لـ«عبدالعاطى»، هجوماً على المؤسسة العسكرية التى نُجلّها، وانتقاصاً من الجيش المصرى الوطنى الذى نقدّره، على العكس تماماً فالاعتراف بأن «عبدالعاطى» ارتكب أخطاء رهيبة فى طريقة البحث ولا بد من محاسبته عليها ستجعلنا نستعيد الثقة والأمل والحلم والاحترام، المشكلة فى موضوع جهاز علاج فيروس «سى» أن الحوار عنه هو حوار طرشان، نتيجة أننا استيقظنا على كارثة ومصيبة وهى أننا اكتشفنا أن مصر بمتعلميها ومثقفيها وحتى بعض الحاصلين على الدكتوراهات فيها يجهلون أبجديات العلم ولا يعرفون معنى البحث العلمى ويعنى إيه دواء ويعنى إيه علاج ويعنى إيه شفاء.. إلخ، غياب هذه البديهيات عن الأذهان وغيبوبة المصطلحات والتفكير بالتمنى والإحساس الرهيب بالدونية الذى ولّد عدوانية تجاه العلم الذى احتكره الآخرون لأنهم ببساطة اتبعوا قواعده ولم يخونوا مبادئه، كل هذا يجعل من الواجب أن نعود إلى نقطة الصفر ونناقش -مضطرين- تلك البديهيات التى كُتب علينا أن نظل فى حرب لتوضيحها وأن نناقشها بعد أن ظننا أننا قد تجاوزناها، وسنأخذ من على ألسنة الناس والبسطاء والجمهور هذه التساؤلات.
■ أول وأهم تلك التساؤلات هو إحنا ليه فى العلم لازم ننتظر ونطيل الانتظار لحد الملل والزهق -تجارب وأبحاثاً- واتباع إجراءات مش كفاية إن شوية مرضى يقولوا إحنا خفّينا على إيد «عبدالعاطى» أو غيره؟!، هذا السؤال هو نفس السؤال الذى يردده كارهو القانون «لماذا التطويل فى المحاكمات والمرافعات وانتظار محاكم أول درجة وتانى درجة واستئناف ووجوب توكيل محام للدفاع وصحة إجراءات.. إلى آخر تلك الدوشة؟ أليس المتهم معروفة جريمته ومن الممكن أن يكون معترفاً ويوجد شهود كمان؟! ما نعدم ونسجن وخلاص بمحاكم استثنائية فى يوم وليلة وبلاش ملل!!، اتباع إجراءات القانون التى تراها أنت مملة هى التى تضمن حقك فى محاكمة عادلة لو كنت مظلوماً وليست لحماية المجرم الذى فى القفص، نفس الكلام بالنسبة لإجراءات وخطوات البحث العلمى الطويلة والطب القائم على الدليل وليس الظن أو الانطباع الشخصى، كل هذا التطويل والتأنى هو لحماية المريض الذى يرقد بلا حول أو قوة على سرير فى مستشفى أو من سيتعرض لتجربة علمية، العلم لا يعرف المحاكم الاستثنائية ولا يعرف إلا القاضى الطبيعى وطريق البحث الطبيعى والنطق بالحكم الطبيعى أمام ساحة المؤتمرات العلمية والمجلات المحكمة.
■ ينفجر السؤال الثانى فى وجوهنا: إيه اللى يضمن لى الأدوية اللى انتم بتوصفوها لنا ما هى يمكن فنكوش هى كمان ماتسيبونا نجرب وتسيبوا المصريين يخترعوا دوا وعلاج وبلاش إحباط لعزيمتنا؟!، والإجابة: طبعاً كل مصرى نفسه وأمنية حياته أن بلاده تخترع دواء وتبتكر علاجاً، لكن العالم اتفق على أن اختراع الدواء والإعلان عنه لا بد أن يمر بمراحل فى منتهى الصرامة ولا حياد عنها حتى نستطيع أن نطلق على المنتج النهائى الذى هو قيد البحث دواءً أو علاجاً، وكما أنك لا تستطيع بيع خادمتك لجارك على أنها جارية احتراماً للمواثيق الدولية فأنت أيضاً لا تستطيع أن تعلن عن دواء لمجرد أنه طق فى دماغك واخترعته، من المسموح أن يطق فى دماغك أى شىء ولكن من الممنوع بل من المجرّم والمحرّم أن تسميه دواءً إلا بعد المرور من فلتر البحث العلمى المنضبط، وهناك فرق بين الإنجاز العلمى وبين العلم نفسه، فالإنجاز العلمى شخصى ولكن العلم نفسه لا شخصى، العلم موضوعى جداً بارد جداً صارم جداً لا منفعل جداً جداً، من حقك أن تشطح وتقول لى إن المسحوق الذى تحتفظ به فى جيبك يشفى من السرطان ولكن ليس من حقك أن تجبرنى على ابتلاعه إلا إذا أجريت عليه البحوث الإكلينيكية والصيدلية المناسبة، ولكن ما هى تلك البحوث والإجراءات والخطوات كما سمعناها وعرفناها من أساتذتنا؟.. وسأستعين ببحوث د.سمير حنا صادق ود. الدنشارى ود. حيدر غالب وآخرين؟.
اكتشفت حضرتك دواءً ووجدت أن جيرانك وكل سكان شارعك بل ومحافظتك كلها بتقول إنها خفت وشفيت على إيديك هل سنعتبر وسيعتبر المجتمع العلمى ما اخترعته دواءً؟، للأسف لا، فالكثير من الأمراض تكون أعراضها مما نسميه subjective وليست objective بمعنى أنها ذاتية متعلقة بشخص المريض وليست موضوعية، وإحساس الشفاء يكون مجرد وهم شخصى، ولذلك حتى مفهوم الشفاء لا بد أن يكون موضوعياً إحصائياً منضبطاً غير متروك للأهواء، كذلك وعلى الجهة الأخرى فإن عدم استجابة بعض المرضى لدواء معين لا يدل على عدم فعالية هذا الدواء، ومن هنا تأتى أهمية علم الإحصاء، فارتفاع الكوليسترول مثلاً لن يؤدى بالضرورة لجلطة فى قلوب كل من يعانون منه وكذلك ليس كل مدخن بالضرورة لا بد أن مصيره هو سرطان الرئة حتمياً، فالمسألة نسبية وتحتاج انضباطاً إحصائياً، وهنا يأتى السؤال: أليس شفاء مريض بعد أسبوع نتيجة إعطائه دواءً معيناً هو بالضرورة نتيجة هذا الدواء؟، الإجابة لا، ليس بالضرورة، وهنا سنفكر بالمنطق العلمى، الشفاء بعد هذا الدواء واحد من ثلاثة أشياء:
- إما أن استعمال هذا الدواء حقق شفاءً أو أسرع به.
- وإما أن طبيعة المرض هى أن يتم الشفاء تلقائياً بعد أسبوع سواء بعلاج أو بدونه.
- وإما أن طبيعة المرض أنه يشفى بعد ثلاثة أيام وأن الدواء قد امتد بالفترة إلى أسبوع.
من هنا تأتى أهمية خطوات البحث العلمى الطبية وانضباطها حتى تحسم هذا اللبس، ففى قصة فيروس سى على سبيل المثال لا بد أن تكون التجارب أولاً على خلية ثم ننتقل إلى مرحلة إجراء التجارب على الحيوانات وهنا ليست أى حيوانات ولكنها الحيوانات التى نسيجها مشابه ويصلح لإجراء التجارب على هذا الفيروس مثل الشمبانزى ثم ننتقل إلى التجارب على البشر والتى سنطرح تفاصيلها لكى نعرف أن القصة ليست لعبة ولا «جهجاهون» ولا «سمك لبن تمر هندى»!!.
■ يأتى السؤال الثالث الذى أسمعه يتردد فى الشارع: وفيها إيه التجارب على البشر ما دام حنلاقى نتيجة ونتعالج ونخف هو انتم لا بترحموا ولا بتسيبوا رحمة ربنا تنزل؟!!، والإجابة: موافق على كلامك ولكن لا بد من اتباع الضوابط حتى نحمى حق المريض وحتى نحمى البلد من فضيحة ومحاكمة وعقاب دولى، فبعد محاكمات نورمبرج واكتشاف أن أطباء النازى أجروا تجارب على البشر، اجتمع العالم المتحضر على وضع قواعد للتجارب الطبية على البشر واعتبار من يخترقها ويتجاوزها مجرماً مثله مثل مجرمى الحرب، واجتمع الخبراء والأطباء ممثلو بلادهم فى هلسنكى وكتبوا اتفاقية هلسنكى وهذه بعض بنودها:
- يوضع بروتوكول كامل للتجربة توافق عليه هيئة محايدة تدرس أهمية إجراء التجربة ويتم التأكد من غياب أى خطر على المريض.
- لا بد من أخذ موافقة الشخص المرشح لإجراء التجربة عليه ويجب أن تكون الموافقة واعية ولا يجوز استعمال الأطفال حتى ولو وافق الأهل وأيضاً لا تجرى تجارب على غير عاقل أو مقيد الحرية بل لا يصح استعمال مرضى الطبيب الذى سيجرى البحث لأنهم ممكن أن يكونوا مرتبطين به عاطفياً إلا بعد موافقتهم بواسطة طبيب غريب عنهم.
- لا يجوز شطب دواء معروف التأثير واستخدام دواء تحت البحث خاصة فى حالة الخطر إلا بعد توافر أدلة قاطعة على أن الدواء الجديد أفضل ويطبق فى هذا إجراء متخصص اسمه التحليل المتتابع.
ما سبق وتفاصيل أخرى كثيرة فى هذه الاتفاقية التى لم تعد وجهة نظر أو اختياراً أو ترفاً، ولأن 20% من تأثير الدواء نفسى لذلك كان ولابد من اختراع طريقة قياس محددة لفعالية أى دواء يجرى عليه البحث، يجب أن نعطى مجموعة من المرضى الدواء موضوع البحث ثم نعطى مجموعة أخرى ما يسمى البلاسيبو وهو شبيه محايد لا يحتوى على المادة الفعالة بحيث لا يعرف المريض إلى أى مجموعة ينتمى، ويكون الطبيب أيضاً لا يعرف المجموعة التى أخذت الدواء الفعال والمجموعة التى تناولت البلاسيبو ولا يعرفهم ويميزهم سوى قائد الفريق البحثى فقط، كل هذا لنقلل تأثير العامل الشخصى الذاتى على نتيجة التجربة، ولابد أيضاً من تكوين ما يسمى مجموعة مراقبة تتماثل فيها كل العوامل والظروف مع مجموعة التجربة إلا فى العامل موضوع الدراسة وهذه خطوة فى منتهى الصعوبة والأهمية، يعنى مجموعة المراقبة تتفق مع مجموعة التجربة فى الجنس والسن والحالة الاجتماعية والقومية والعادات مثل التدخين وخلافه.. إلخ، يختلفون فقط فى فيروس سى أو الإيدز على سبيل المثال فى حالتنا التى نتكلم عنها.
هل انتهت المسألة عند هذا الحد، أسمع من يصرخ: «هو لسه فيه حاجة بعد كل الخطوات المعقدة دى.. ده العلماء طلعوا روحنا؟!»، الحقيقة أن العلماء أنقذوا روحك مش طلعوا روحك، وكل إنجازات الأدوية التى تعالجك خرجت إلى النور بعد المرور بكل هذه الخطوات التى تقول أنت عنها معقدة، ولكى تكون نتيجة البحث لها قيمة أو ما يسمى significant لا بد أن ينظر فى النتائج عالم إحصائى وممكن بعدها يلقى بالبحث المضنى الذى استمر سنوات فى سلة القمامة وبكل ضمير مستريح، هنا يتدخل ما يسمى بالـstatistical inference علم الاستنتاج الإحصائى وlaws of propability قوانين الاحتمالات ويخرج علينا ما يسمى ال P وهى نسبة إذا قل عدم الصحة فيها عن 5% فنتيجة البحث تمر وتعتمد ويحتفى بها!!، هل رأيتم كم هو طويل وشاق طريق البحث العلمى وإقرار الدواء ولكن كل هذه المشقة وكل هذا التعب وكل هذا الملل من أجل عيون حضرتك وصحة حضرتك وأمان حضرتك!!.
لكن هل انتهت الدراسات على الدواء عند هذا الحد؟، لأ لسه انتظر قليلاً فهناك ما يسمى بالـ post marketing study يعنى بعد أن ينزل الدواء إلى السوق ويوافق عليه ويستهلك ويأتى بنتائج من الممكن أن يسحب من السوق لأن الدراسات أثبتت مثلاً أنه عمل جلطة لعشرة أشخاص من المليون الذين استهلكوه فتشطبه الشركة فى غمضة عين وبلا أى لحظة ندم وهى التى صرفت المليارات على أبحاثه، لماذا؟ لأنهم فى بلاد تحترم العلم وتدرك جيداً أنه طريق النجاة الوحيد وأن أى خيانة لقواعد هذا العلم ومنهج بحثه فيها نهايتهم وموتهم.
■ نأتى إلى السؤال المفحم الذى يتردد فى كل مناسبة، وهو: لماذا تكرهون الأعشاب وهذا بمناسبة ما أعلنه المخترع «عبدالعاطى» عن قرص الأعشاب الذى يتناوله المريض بعد جلوسه على الجهاز وهل ما كتب فى الأخبار على لسانه عندما قال إن ابنه خريج الزراعة صنع تلك الأقراص وطحنها فى البيت وهل نحن لدينا موقف عدائى من الأعشاب لأنها حتوقف سوق الدكاترة، وبالطبع كل هذه الأسئلة مخلوطة ببعض الشتيمة عن رشوة شركات الأدوية العالمية التى ترتعد فرائصها من تلك الأعشاب!!، والإجابة هى أن الأعشاب والنباتات الطبية نعمة ربانية وهبة طبيعية أفسدها البعض على الفضائيات فصارت سلاحاً ضد المريض بعد أن كانت سلاحاً ضد المرض، وطالما نادينا حتى بُح صوتنا، نريد أن نفعل مثلما فعل العلم الغربى فى هذه الأعشاب وهو إخضاعها لعلم الصيدلة الذى جعل من هذه الأعشاب موضوعاً للتجارب المعملية فاستخلصت المادة الفعالة وضبطت الجرعة وحددت درجة السمية وخفضت الأعراض الجانبية وفصلت عما اختلط بها من فطريات وسموم فتاكة، فقدم لنا علم الصيدلة الكينين المستخدم فى علاج الملاريا من شجر الكينا والأسبرين من شجر الصفصاف والأتروبين من نبات ست الحسن والمورفين من الخشخاش والديجوكسين من أصبع العذراء والإيفيدرين من نبات ذنب الخيل.. إلخ، ولذلك طالبنا أن نعطى أهل الاختصاص وهم الصيادلة حق تصنيع وبيع الدواء المستخلص من الأعشاب، فالصيدلى هو المؤهل وليس العطار أو مدرس الألعاب أو واعظ الفضائيات الدينية الذى يتاجر بشعارات يفرغها من معناها الحقيقى مثل كلمة الطب النبوى أو العودة إلى الطبيعة.
كل من يبيعون الوهم وآخرهم صاحب القناة الفضائية الشهير الذى افتتح فروعاً فى شرق مصر وغربها أفلتوا من قبضة العدالة بسبب تقاعس المرضى وخوفهم من المواجهة والذهاب للنيابة للشكوى، إنها كارثة أن يستفحل سرطان الدجل لأننا أدمننا الخرافة والجبن وروّجنا لشعار «قول يا باسط» واللى حصل حصل واللى راح مايرجعش وإجرى يابن آدم جرى الوحوش.. إلى آخر هذا الكلام الذى ينقذ رقاب هؤلاء من حبل مشنقة العقاب بسبب كسلنا واعتبارنا أن هؤلاء قدر لا فكاك منه، كم من حالة فشل كلوى حاد نتيجة سموم الأعشاب، وكم من حالة سرطان كبد نتيجة فطريات الأفلاتوكسين المختلطة بالأعشاب، وكم من حالة تناولت نبات إفيدرا مع بعض مثبطات الاكتئاب فارتفع ضغطها وكادت تهلك.. إلى آخر تلك الفوضى التى جعلت من هؤلاء أنصاف آلهة يستمع إليهم الناس ويكتبون وصفاتهم ويحتفظون بها كالكتب المقدسة، لا ينفع أن تقول «هذا شىء طبيعى» لتمرره لنا كدواء، لا يصح أن تقول «هذا عشب إن لم يضر لن ينفع» لتضغط على أعصاب الغلابة الذين يتعلقون كالغرقى بمجرد قشة.
■ يقفز سؤال: انتم يا دكاترة كلكم عملاء خونة لشركات الأدوية، للمافيا اللى بتمص دمنا، سيبونا بقى نشم نفسنا ونخترع الدوا بتاعنا بإمكانياتنا وفى الذيل ونهاية السؤال دعاء خاتمته الله يحرقكم ويخرب بيوتكم!!، وأنا أجيب ياريت نروح كلنا ونتحرق فداءً لنهضة مصر فى كل المجالات العلمية، لكن المشكلة أن تلك الشركات الكبرى التى تهاجمونها للأسف هى التى تصرف المليارات على الأبحاث وتخضع تجاربها لتلك الخطوات الشاقة التى تحدثنا عنها وشرحناها، وكل ما تنعم به وفيه من أدوية وتطعيمات ووسائل علاجية هى للأسف من صنع تلك الشركات الوحشة الكخة المتوحشة الإمبريالية الصهيونية الصليبية، للأسف ليست التمائم أو الأحجبة أو الطب البديل الذى حصل مخترع الجهاز على شهادته العليا من سيريلانكا هو الذى أنقذ البشرية ورفع متوسط الأعمار ولكنه التطعيم ومحلول الجفاف والبنسلين وأدوية الضغط والقسطرة ومخفضات الكوليسترول ومذيبات الجلطة والكورتيزون والأنسولين والفياجرا وأدوية العلاج الموجه والمضادات الحيوية.. إلى آخر تلك المنجزات، والأمنيات وحدها لن تصنع تقدماً ولن تجعلنا ندخل السباق ونلحق بهؤلاء ولكنه العمل والجهد والإرادة والتصميم، وليس باللعنات سنكسب السباق ونخترع ونبدع ولكن بأن ندرس كيف تتصرف هذه الشركات عندما تتصدى لأبحاث على أدوية جديدة، لا بد أن نعرف كم الصرامة وندرس كم الانضباط وتحمل النقد والمراجعة والبحث فيما نسميه نحن سفاسف وتفاصيل مملة، هذا هو الواقع ولكى نغيره لا بد أن نحترم أدوات هذا التغيير التى ليس لدينا غيرها للإنجاز وهى أدوات العلم الذى لا يعرف الاستسهال ولا الاستعباط ولا الاستخفاف.
■ يصرخ واحد زهقان من هذا اللغط قائلاً: صدعت دماغنا بالمجلات العلمية والمؤتمرات الطبية الدولية، كل ده لزمته إيه إحنا مش عايزينهم وكله حييجى راكع لنا يشترى الجهاز والدوا طظ فيهم!!، ثانياً وثالثاً وللمرة الألف ماينفعش للأسف نسيبهم يخبطوا دماغهم فى الحيط ونطلع لساننا ونقول لهم طظ لأنه ببساطة بدون نشر فى المجلات وعرض على المؤتمرات مافيش دوا، لن يستحق أى دواء لقب ووصف دواء إلا إذا تمت هذه الخطوات والا فلنعش فى كهف مهجور ونعلن استقلالنا عن الكون ومجرة درب التبانة ونعلنها جماهيرية مصر الكونية المستقلة!!، المجلة العلمية المحكمة هيئة تحريرها كبار الأساتذة فى العالم فى التخصص وناشر البحث لا يعرفهم وهم لا يعرفونه والبحث مقدم بدون أسماء ضماناً للحيدة والنزاهة والشفافية وقبول البحث اعتراف بالجدية التى هى الخطوة الأولى لضمان النجاح، أما المؤتمر العلمى الدولى الذى تشرف عليه الجمعية العالمية فهو يجعل البحث محلاً للمناقشة والتفنيد وفرز الغث من الجيد والردىء من الصحيح، والعالم الحق هو من ينصت ويستمع بل ويفرح ويبتهج بهذا النقد بل بهذا الهجوم ويغير من آرائه ويعدل بحثه لأنه فى النهاية يبحث عن الحقيقة ولا شىء غير الحقيقة.
سألوا أرسطو: لماذا اختلفت مع أستاذك أفلاطون؟ فأجاب: أحب أفلاطون كثيراً ولكنى أحب الحقيقة أكثر، وأنا أحب الحقيقة أكثر والعلم أكثر ولن أبالى بهجوم أو بفريق يحسبنى عليه ويضمنى إليه ويستغل كلامى ونقدى وتفنيدى، فكلنا زائلون وكلنا سنرحل وسيظل الباقى هو ما أعلنته خلال هذه الرحلة القصيرة والمبادئ التى تمسكت بها خلالها، أعرف أننى صدمت أمنيات القارئ لكن الأهم أننى لم أكذب عليه أو أنافقه.