وصلتنى رسالة من أ. د يحيى نور الدين طراف، أستاذ جراحة العظام، محتواها يصرح بما يعتمل فى نفوس البعض ويخاف من التصريح به حتى لا يُتهم بالتعالى على شعبه، ملخص الفكرة هى أن أكبر عدو لمصر هم أهلها أنفسهم!! الفكرة مطروحة للنقاش، وننتظر رأى المعارض والمؤيد لهذا للرأى، يقول د. يحيى فى رسالته: جاء فى الأخبار منذ يومين أن الدولة قامت فى حملة أمنية مسلحة تحت إشراف محافظ الجيزة، بإزالة عشرين ألف متر مكعب ردم على ضفاف النيل فى الحوامدية كانت تُعد للبناء عليها؛ وهو ما من شأنه تضييق مجرى النهر، ومن ثم إضعاف اندفاع المياه فيه، كما يشكل تهديداً جسيماً للبيئة بعد البناء وتوجيه الصرف إلى النهر. وفى نفس النشرة خبر آخر عن قيام الشرطة والجيش بإصلاح تعديات الأهالى على خط مياه الشرب فى الضبعة، إذ أحدثوا فيه ثقوباً لرى زراعاتهم! هذان الخبران الصغيران فى يوم واحد، على هامش الأحداث التى نعيشها يومياً، جعلانى أقول إن عدو مصر اليوم هو أهل مصر! لقد نُشر فى الأهرام منذ يومين أن المصريين بنوا خلال الأربعين سنة الماضية، على مساحة شاسعة من أراضى مصر الزراعية فى الوادى الخصيب، تتراوح من مليون ونصف المليون فدان إلى مليونى فدان! أى أكثر من ربع مساحة الرقعة الزراعية، وهى تربة بالغة الخصوبة ولن تعوض، إذ يبلغ عمق طينها اثنى عشر متراً. فمصر اليوم بفضل سواعد أبنائها، أصبحت فى صدارة دول العالم أجمع فى تبوير الأرض الزراعية. وما زال البناء على الأرض الزراعية يسرى فيها سريان النار فى الهشيم، مما ينذر البلاد بكارثة غذائية محققة من صنع المصريين وحدهم، وليس عدوهم. سيقول قائل إن نظام مبارك تركهم يفسدون فى الأرض لأغراض سياسية وانتخابية؛ هذا صحيح، ومبارك مسئول لأنه لم يستعمل السلطة المخولة له فى منعهم من البناء على رصيد مصر وإرثها من الأرض الزراعية. لكن، خلافاً لجريمة قتل المتظاهرين، حيث الجانى ظل مجهولاً، وأدين فيها مبارك لعدم استعمال سلطاته كذلك فى منع القتل، فإن الجانى فى جريمة البناء على الأرض الزراعية معروف وظاهر للكافة، وهو الشعب المصرى، الذى قام بأمواله وبسواعد أبنائه، دون أية توجيهات أو مساعدات خارجية، بارتكاب أبشع جريمة فى حق مصر وأمنها القومى وأجيالها المقبلة على مر العصور. قس على ذلك العشوائيات التى انتشرت فى ربوع البلاد كخلايا السرطان فتنذر البلاد بكوارث بيئية واجتماعية وصحية واقتصادية لا قبَل لها بها؛ لم يبنها مبارك ولا نظامه، إنما بناها الشعب بسواعده وأمواله. صحيح أن مبارك غض عنها الطرف ولم يستعمل سلطاته فى منع قيامها، لكن تبقى الحقيقة القائمة، أن البانى الجانى ليس مجهولاً، وهو أهل مصر. وفوضى الشارع؛ هل مررتم مؤخراً فى شارع طلعت حرب، الذى هو من مدينة القاهرة مثل شارع أكسفورد من لندن، وهل شاهدتم ما آل إليه حاله؟ لقد احتله الباعة الجائلون منذ سنوات وافترشوا الرصيف وجانبى الطريق، ولم يتركوا للسيارات سوى حارة ضيقة فى نهر الطريق لا تسع سوى مرور سيارة واحدة، ويشاركها فيها المشاة. كذلك كل شوارع مصر صارت مسرحاً للفوضى المرورية وإشغالات الطريق واحتلال الأرصفة، واحتلال أماكن الانتظار، والوقوف الممنوع صفاً ومثنى وثلاثة صفوف، ليلاً ونهاراً. من فعل ويفعل ذلك ليسوا غزاة، إنما مصريون. ومن الذى بنى الأدوار المخالفة فى كل عمائر مصر، ومن الذى سكنها وما زال يتسابق لسكناها بملكه وبكامل إرادته، وهو عالم بمخالفتها للقانون؟ إنهم المصريون، وليس جيش احتلال فرض علينا ذلك. الفساد كالتصفيق يحتاج لكفين، فكف واحدة لا تصفق كما يقول المثل، ولو كان نظام مبارك إحدى هاتين الكفين وقد خُلع من أجل ذلك، فالكف الأخرى التى صفقت معه كانت، وما زالت، هى أهل بر مصر. ولن تستقيم أحوال مصر ما لم يُصلح شعبها من أمره، ويعترف بدوره الكبير -هو وليس حكامه ولا أعداءه- فى إفساد بلاده وإفقارها، وتوصيلها لما هى عليه الآن من اندحار فى كل المجالات. هذا ما جنيناه على أنفسنا، وما جناه علينا أحد.