على أشهر جسر فى مدينة سالزبورج الساحرة بالنمسا ستشاهد منظراً مدهشاً سيعتبره المصريون والعرب جنوناً أو مضيعة للوقت أو على الأقل هيافة أجانب، على جانبى الجسر يذهب العشاق ليعلقوا فى أسلاك الحديد أقفالاً بعشرات الآلاف من مختلف الأشكال والألوان والأنواع، يغلق الحبيب وحبيبته القفل معاً دلالة على أن حبهما مرتبط هذا الارتباط العميق ومتماسك هذا التماسك الصلب، يغلقان على حبهما هذه الصدفة الفولاذية، تصرُّف من الممكن أن تعتبره عزيزى القارئ تصرفاً أحمق أو تقليعة أوروبية سخيفة، ولكنى أعتبره ببساطة رومانسية رقيقة حالمة وتعبيراً راقياً مبتكراً عن الحب الذى نتكلم عنه نحن العرب ليل نهار فى أشعارنا ولا نمارسه بجد، بل ونمثل أننا نمارسه ونعرفه طيلة الوقت وعلى مدار الحياة. تذكرت مقالة للكاتب سعد القرش عنوانها «التفسير الجنسى للإرهاب» ملخصها أن عدم التحقق فى الحب من الممكن جداً أن يُنتج إرهابياً، بالفعل عندما شاهدت هؤلاء الشباب الذين يعيشون قصة حب حقيقية ويعبرون عنها بهذا التصرف البسيط قلت من الصعب بل من المستحيل أن يفكر هذا الشاب فى تفجير نفسه بحزام ناسف أو إلقاء مولوتوف على جامعته التى يتعلم فيها أو قتل شخص لمجرد أنه مختلف معه فى الرأى أو الديانة، أحد عيوبنا القاتلة هو أننا نتصور أن الحب مجرد كلام لا يُترجم إلى تصرفات أو سلوكيات أو اهتمام بالطرف الآخر، نتخيله نباتاً شيطانياً لا يحتاج إلى رى أو رعاية، ادخل أى جامعة وشاهد العلاقات المشوهة بين شبابنا وفتياتنا، التقط أى لقطة سريعة ستجد 99% منهم يتشاجرون أو فى حالة تربص أو ريبة، مكفهرين متوترين، الحب بين شبابنا إما مصلحة أو نزوة أو تقليد أو عشوائية أو تمثيل، الحب فقد تلقائيته وتألقه وطبطبته على وجدان المصريين، مهما مارسنا من ديمقراطية شكلية عبر صندوق الانتخابات وشبابنا يعيش علاقات حب مشوهة مبتورة ممزقة شاذة ملوثة خالية من الإحساس الحقيقى فإننا لن نصل إلى أى استقرار، سيسخر البعض قائلاً ها هو يطبق التفسير الجنسى للتاريخ ويتناسى الفقر والضائقة الاقتصادية والمخاطر الوطنية، أنا لا أنسى ولا أتناسى ومعترف ومقر بكل ذلك، ولكن هل أحد ينكر أننا لدى شبابنا وشيوخنا أيضاً مشكلة فى الحب والجنس؟ استنكروا كما شئتم واضحكوا على أنفسكم كما شئتم، ولكن هناك بالفعل مشكلة كبت ومشكلة كيف تحول هذه الطاقة والغريزة إلى طاقة إيجابية وتدمجها فى مشاعر الحب؟ الشاب الذى يحول نفسه إلى أشلاء وهو يتوهم أنه يخدم قضية دينية وينتظر مكافأة السبعين حورية اللاتى ينتظرنه فى الجنة مكافأة على خدماته الجليلة التى قدمها للدين بالجثث التى تفجرت وتمزقت بحزامه الناسف، هذا شاب ليست لديه قضية دينية ولكن لديه كبت جنسى وهلاوس جنسية وعدم تحقق فى أى عاطفة من أى نوع، قولوا عليها تفسير جنسى للتاريخ وسموها كما شئتم ولكن واجهوا أنفسكم بأن تلك للأسف هى حقيقة شعب يضحك على نفسه ويتخيل أنه سابح فى بحر العفة والعفاف بينما هو غارق فى محيط الخداع والجفاف، ألسنا نحن الشعب الذى يمارس قمة التحرش فى ذروة أعياده الدينية؟! ادينى عقلك!!