وصلتنى رسالة من د. حاتم أيمن توفيق يقدم فيها وجهة نظر مختلفة عن مهاجمى حكومة محلب بسبب الفحم، وهى وجهة نظر مطروحة للنقاش، يقول د. حاتم فى رسالته: من أهم المشاكل التى تواجهنا فى الوقت الحالى نقص الطاقة الكافية لتوليد الكهرباء، وقد لفت نظرى القرار الجيد والجرىء لمجلس الوزراء للبدء فى استيراد الفحم، ثم فوجئت كالعادة بسيل من الهجوم الضارى من جماعات وأفراد تدّعى الحكمة والحرص على صحة المصريين برغم أن كثيراً منهم يكتب هذه التعليقات وهو جالس فى الكافيه ليلاً يشرب الشيشة المعسل بالفحم، وقرأت تعليقات كثيرة لهؤلاء تنادى ببدء استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة من شمس ورياح كبديل جيد، وفى حالة الطاقة الشمسية فهى متوافرة بكثرة فى مصر. وبالطبع التقط الإخوان الخيط وبدأوا فى بث الإحباط بسبب حكومة «محلب» المسرطنة على حد زعمهم. وتذكرت على الفور مقالتين قرأتهما مؤخراً عن الفحم؛ الأولى منشورة فى عدد يناير 2014 من مجلة «ساينتيفيك أمريكان» العلمية الأمريكية وفيها ينبئنا العالم الأمريكى «فاكلاف سميل» المتخصص فى شئون البيئة أن الإفراط فى التفاؤل بمستقبل الطاقات المتجددة ليس فى محله وأنه من العبث التوهم أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيكون لها أى دور فعال فى المستقبل القريب وأن التحول بالكامل إلى هذا النوع من الطاقة قد يستغرق مائة عام وأن العالم سيمر أولاً بمرحلة ربما بعد خمسين أو ستين عاماً يكون الغاز الطبيعى هو المصدر الرئيسى للطاقة قبل أن تكون الطاقة الشمسية والرياح هما المصدر الرئيسى للطاقة، كما نبه الكاتب إلى أن حجم استثمارات العالم فى البينة التحتية للتحول إلى هذا النوع من الطاقة قد يكلف العالم أكثر من 20 تريليون دولار، وأن إحدى العقبات الرئيسية فى استخدام هذا النوع من الطاقة أنها متغيرة، فخذ ألمانيا على سبيل المثال التى تفاخر أمام العالم بريادتها فى استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. يقول الكاتب إن نسبة إسهام هذا النوع من الطاقة تتراوح فى ألمانيا فى اليوم الواحد بين 50% وصفر% طبقاً لقوة الرياح أو حسب ظهور الشمس أو غيابها!! مما يعنى ببساطة أن اعتماد دولة ما على هذا النوع من الطاقة يشبه اعتمادنا نحن على السياحة فى دعم الاقتصاد، وهى مصدر غير ثابت للدخل القومى كما أثبتته الأحداث الجارية، ثم قرأت هذا الشهر، أبريل 2014، مقالاً آخر فى مجلة علمية أمريكية أخرى وهى مجلة «وايرد» المتخصصة فى علوم التكنولوجيا للمؤلف الأمريكى الشهير تشارلز مان وعنوانها «السحر الأسود» يقول فيها إن الفحم ما زال مسئولاً عن توفير 40% من الكهرباء عالمياً وإن الصين تعتمد على الفحم فى إنتاج 75% من الطاقة الكهربائية، مع العلم أن احتياجات المصانع فى الصين للطاقة تتخطى عشرات الأضعاف احتياجات الأفراد فى المنازل، ونوّه الكاتب أيضاً إلى أن أحد عوامل معجزة نهضة الصين الحديثة وإحياء مناطق كاملة كانت شبه معدمة مثلها مثل صعيد مصر الآن يعود إلى التوسع فى استخدام الفحم كمصدر رئيسى للطاقة، وذكر الكاتب مدينة تيانجين الصناعية والتى تشبه طبقاً للكاتب المدن الخيالية المستقبلية التى نراها فى أفلام هوليوود مع أنها تعتمد اعتماداً شبه كلى على الفحم وأن المصنع الذى يصنع الأيفون فى الصين يعمل بالكامل بالفحم!! كما ذكر الكاتب أرقاماً مذهلة منها أن ألمانيا تعتمد على الفحم لإنتاج 50% من الكهرباء وبولندا 86% وأن ألمانيا التى يصدعنا نشطاء «فيس بوك» بها الأسبوعين الماضيين توسعت بشدة فى استخدام الفحم فى العام المنصرم 2013 وأن الولايات المتحدة الأمريكية التى تفخر بأنها أقل دول العالم استخداماً للفحم ما زالت تنتج 40% من طاقتها الكهربائية اعتماداً على الفحم!! وأن الصين قد بدأت فى إنتاج وقود للسيارات مستخرج من الفحم. وأخيراً، وليس آخراً، فإن التوسع فى استخدام الفحم له أضرار صحية بالطبع تسعى الصين إلى تقليلها الآن، لكن ستكون له آثار اقتصادية هائلة، وبحساب المكسب والخسارة فإن استخدام الفحم قد يكون المخرج الوحيد لإخراج مصر من نفق أزمة الطاقة المظلم ولتطوير مناطق شديدة الفقر فى مصر مثل الصعيد التى يموت الناس فيها جوعاً وبرداً، ومن لا يصدقنى فليتجول فى إحدى القرى النوبية فى أسوان كما فعلت أنا شخصياً منذ عدة شهور وصُدمت من وطأة الفقر برغم عزة النفس التى يتمتع بها هؤلاء، ولكن حاول أن تقنعهم بـ«أننا سنترككم فقراء تموتون من البرد لأننا نخشى عليكم من آثار الفحم السلبية على الجهاز التنفسى»، ولن تجد منهم إلا السخرية الشديدة ولسان حالهم يقول: خايفين علينا من الفحم اللى بنحطه على الـ20 حجر معسل اللى بنشربهم كل ليلة!!