فى أغسطس الماضى كتبت سلسلة مقالات أتساءل: «أين المفكر حسين أحمد أمين، ولماذا هذا الإهمال؟»، واستيقظت فجأة منذ يومين على نعى فى ركن مهمل.. مات حسين أمين، مات دون أن تذكره الفضائيات أو الجرائد أو حتى الندوات، إنه العار وتواطؤ الصمت، أيقنت أن بلداً ينسى رجلاً بهذه القيمة هو بلد يجرَّف عقله ويتصحر وجدانه، أعيد عليكم جزءاً مما كتبته متنبئاً بهذا النسيان المتعمد الذى هو قتل مبكر مع سبق الإصرار: «أثناء ترتيبى للمكتبة قلّبت فى كتاب «دليل المسلم الحزين» للمفكر الرائع حسين أحمد أمين، وهو كتاب مفصلى ومهم فى حياتى وحياة الكثيرين من أبناء تلك الفترة الحائرة الرمادية، وكاتبه رجل مثقف موسوعى علمنى أهمية السؤال والتفكير النقدى وعدم قبول أى فكرة مهما كانت درجة انتشارها إلا بعد عرضها على بوصلة العقل ورادار المنطق والعلم، الكتاب عمره الآن 30 عاماً بالتمام والكمال، ما زلت أتذكر الضجة التى صاحبت إصداره والهجوم الشنيع الذى وصل إلى حد السباب والتكفير لصاحبه الدبلوماسى الهادئ الوقور الذى يتقن خمس لغات ليس من بينها لغة الردح والسباب، لم تفكر مكتبة الأسرة فى الاحتفال بهذا الكتاب الرائع، لم يفكر أحد فى السؤال: «أين حسين أحمد أمين؟»، تخيلوا كل المثقفين الذين نحت هذا الكتاب فى تلافيف عقولهم مسارات التمرد والجدل الفكرى، هؤلاء للأسف لا يعرفون هل حسين أحمد أمين حى أم ميت، لا يعرفون، ولو من باب الفضول، لماذا توقف هذا الرجل الذى تجول فى أنحاء العالم وقرأ واستوعب وهضم كل ثقافاته وحرك مياهنا الفكرية الراكدة الضحلة منذ بداية صعود اليمين الدينى المتطرف وفى لحظة تاريخية فارقة، مصر هى البلد الوحيد الذى إذا اختفى فيه مفكر كبير عن ساحة الكتابة لا نعرف لماذا وكيف وأين اختفى، حتى لو أصيب الكاتب بألزهايمر الشيخوخة من العار أن تنتقل إلينا أعراض هذا الألزهايمر فننساه ونتجاهله! قررت أن أكتب عن هذا الكتاب وأذكّر الناس به احتفاء بالموضوع وبالكاتب، حتى وإن لم يقرأنى، حتى وإن لم يكن يعرف اسمى ولا ملامحى، يكفى أننى قرأت يوماً ما لهذا الرجل العظيم، ويكفى أنه شكّل وجدان جيل وعقل وملامح أبناء زمن ضبابى تاجرت فيه عصابة بمشاعر وأمانى وطموحات وطن، مارست السمسرة فى المقدس، وأدمنت النخاسة فى المنزَّه والمبجل، إنها ثلاثون عاماً مرت على كتابك الرسالة، كتابك العاصفة، كتابك البصمة».