قديماً قال مكسيم جوركى «لقد جئت إلى هذا العالم لأعترض» وأحمد مطر من طائفة هؤلاء الشعراء الذين جاءوا إلى هذا العالم ليعترضوا، وكما هى كل الطرق تؤدى إلى روما، كانت كل الظروف تؤدى بأحمد مطر إلى هذا الطريق، طريق الشاعر المتمرد، فقد ولد أحمد مطر فى مطلع الخمسينات فى قرية التنومه بشط العرب فى البصرة، أرضعته هذه القرية حليب الشعر بطبيعتها الخلابة الغنية التى لا يكتفى نخيلها باحتضان البيوت بل يقتحم النوافذ وحجرات النوم، وكأنه يوقع بالأحرف الأولى على ميلاد شاعر عظيم، دخل مطر معترك السياسة فى الجامعة، وبدأ يلقى قصائده الملتهبة فى ساحاتها وندواتها وبين طلابها، بالطبع لم يتحمل نظام صدام حسين ذلك الشاعر المشاغب طويل اللسان فتم نفيه إلى الكويت، حيث عمل فى جريدة القبس، وزامل هناك صديق عمره وتوأم روحه رسام الكاريكاتير ناجى العلى، فصار يكتب هو فى الصفحة الأولى قصيدته القصيرة تحت اسم اللافتة، وهى قصائد مكثفة كل منها كالنواة التى تحمل كل أسرار الخلية وكل طلاسم الكون، وصار صديقه ناجى العلى يرسم الكاريكاتير فى الصفحة الأخيرة، بالطبع لم تحتمل السلطات العربية قلم مطر الحاد وريشة ناجى الفاضحة الجارحة فتم نفى الاثنين إلى لندن، وبعدها اغتيل ناجى العلى ليظل أحمد مطر نصف ميت ونصف حى، لكنه ظل حتى اللحظة الأخيرة رافضاً أن يكون بنصف لسان، برغم أنه يعرف جيداً أنه من الجيل المطارد المنبوذ الذى يسافر حاملاً الأمل إلى بلاد الغربة ويعود محملاً فى توابيت تحوطها الزهور الباردة وتزينها كلمات النقاد التى يتطهرون بها من ذنوبهم ولكن بعد فوات الأوان. زار الوالى المؤتمن بعض ولايات الوطن وحين زار حينا قال لنا هاتوا شكاواكم بصدق فى العلن ولا تخافوا أحداً فقد مضى ذاك الزمن فقال صاحبى حسن يا سيدى أين الرغيف واللبن؟ وأين تأمين السكن؟ وأين توفير المهن؟ لم نر من ذلك شيئاً قال الوالى فى حزن أحرق ربى جسدى أكل هذا حاصل فى بلدى شكراً على صدقك فى تنبيهنا يا ولدى سوف ترى الخير غداً وبعد عام زارنا ومرة ثانية قال لنا هاتوا شكاواكم بصدق فى العلن ولا تخافوا أحداً فقد مضى ذاك الزمن لم يشتك الناس فقمت معلناً: أين الرغيف واللبن؟ وأين تأمين السكن؟وأين توفير المهن؟ معذرة يا سيدى وأين صاحبى حسن؟!