لم يمت الشاعر أحمد مطر بالسكتة القلبية، بل مات بالفرقة العراقية، لم تقتله جلطة القلب أو المخ، بل قتلته جليطة برابرة داعش الخارجين من كهوف آكلى لحم البشر، قضية أحمد مطر الرئيسية بل والوحيدة كانت هى الحرية، وهو من أجل عيون هذه الحرية نقل الشعر من شرفات العشاق إلى أقبية الزنازين، وحوله من أداة تطريب إلى أداة تحريض، وكل أمله كان أن يقتحم الشعر أحراش الواقع مرفوع الرأس، معتزاً بنفسه بدلاً من أن يدخل قصور الأثرياء مطأطئ الرأس يتسول فتات الموائد، وسنجعل أحمد مطر يقدم نفسه لمن لا يعرفه من القراء عبر نافذة كتاباته النثرية، يقول أحمد مطر: * «أبحث عن التميز بحيث يكون للحبر رائحة دمى وللكلمات بصمات أصابعى». * «الواقع ليس أرحم من شعرى، فالواقع زنزانة موصدة مكتظة بالدخان الأسود وكل ما فعلته، هو أننى وصفت هذا الواقع ودعوت إلى الخروج منه، فما ذنبى إذا كان الوصف يزعج اختناقكم؟ وما حيلتى إذا أمسيتم -لفرط التسمم- تعتقدون أن الدخان هو جزء من مسامات أجسادكم؟!! * «غربتى بدأت بمولدى، وأحسب أنها لن تنتهى إلا إذا انتهت غربة أوطانى نفسها» *«بيانات بطاقتى الشخصية كالتالى: العمل: كنس العروش الفاسدة. الحالة الاجتماعية: رب بيت. الارتباط: بقضية كل إنسان ضعيف ومستلب. مكسبى: احترامى لذاتى. خساراتى: أرباح، أصبحت لكثرتها أغنى الأغنياء، ففى كل صباح أستيقظ فأجدنى معى، أحمد الله، ثم أبدأ بتفقد كنوزى، أدق قلبى الجريح، فترد كبريائى: «أنا هنا»، أتفحص جيبى المثقوب، تضحك أناملى لا تتعب نفسك لم أقبض صكاً من سلطان، أتلمس روحى، تبتسم آلامها، اطمئن لم يستطيعوا اغتصابى». * «الموت مصير كل حى، وما دام الأمر كذلك، فلماذا يؤجل العاقل موته النظيف الذى يأتى مرة واحدة، ليواجه ألف موت قذر كل ساعة؟!! * «من يحسنون السخرية هم أكثر الناس امتلاء بالأحزان». * «الشاعر الذى لا يدرك أنه سلطة فوق كل سلطة، عليه أن يشتغل بأى مجال إلا الشعر». * «الواقع السياسى العربى هو ملعب أمريكى يلعب فيه اثنان وعشرون لاعباً، فريق منهم فى الجهة الشرقية، وفريق فى الجهة الغربية والجمهور مربوط إلى الكراسى بقوة ممنوع عليه التدخين أو المشاركة أو الاحتجاج، ومسموح له فقط بأن يصفق أو يطبل أو يهتف: «يحيا العدل»!!!!! وفى النهاية يودعكم «مطر» بعد أن هجر البيت وسكن الأبيات قائلاً: فكرت بأن أكتب شعراً/لا يهدر وقت الرقباء لا يتعب قلب الخلفاء/لا تخشى من أن تنشره كل وكالات الأنباء/ويكون بلا أدنى خوف فى حوزة كل القراء/هيأت لذلك أقلامى ووضعت الأوراق أمامى/وحشدت جميع الآراء ثم بكل رباطة جأش/أودعت الصفحة إمضائى وتركت الصفحة بيضاء/راجعت النص بإمعان فبدت لى عدة أخطاء/قمت بحك بياض الصفحة واستغنيت عن الإمضاء. حبسوه قبل أن يتهموه/عذبوه قبل أن يستجوبوه/أطفأوا سيجارة فى مقلته عرضوا بعض التصاوير عليه: قل لمن هذى الوجوه؟/قال لا أبصر قصوا شفتيه/طلبوا منه اعترافاً حول من قد جندوه/ولما عجزوا أن ينطقوه شنقوه/بعد شهر برأوه/أدركوا أن الفتى ليس هو المطلوب أصلاً/بل أخوه ومضوا نحو الأخ الثانى/ولكن وجدوه ميتاً من شدة الحزن/فلم يعتقلوه.