الكيل بمكيالين صار من المادة الوراثية للجينات الأمريكية، والكذب من أجل المصلحة أصبح شعاراً وديناً وعقيدة للعم سام، وها هو الموقف مع ضحايا طائرة ماليزيا وعكسه تجاه ضحايا قصف غزة يوضح لنا تفاصيل الصورة القبيحة للبيت الأبيض، وصلنى هذا التعليق من د. يحيى طراف، أستاذ جراحة عظام الأطفال، هذه رسالته: تستأثر حادثة إسقاط الطائرة الماليزية فوق شرق أوكرانيا باهتمام الإعلام الغربى بصفة عامة، والأمريكى بصفة خاصة، فتظفر خلالهما يومياً بتغطية وتحليل ومتابعة أضعاف ما تظفر به أخبار الحرب على غزة، رغم أنهما يشتركان معاً فى استهداف مئات الضحايا من المدنيين الأبرياء، ورغم أن تعداد ضحايا غزة قد تعدى ضحايا الطائرة المنكوبة، وما زال فى ازدياد. وقد يكون سبب ذلك هو أن حادثة إسقاط الطائرة الماليزية وقعت فى سماء أوروبا، وضحاياها من الأوروبيين إلا القليل؛ إلا أن السبب الحقيقى وراء هذا الاهتمام، فى رأيى، هو محاولة أمريكا وأوروبا، على غير بينة، إلصاق تهمة إسقاط الطائرة بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، واتخاذ ذلك ذريعة لفرض المزيد من العزلة والعقوبات عليه. قال «أوباما» إن الصاروخ الذى أسقط الطائرة من شرق أوكرانيا أطلقه (غالباً) المسلحون الانفصاليون الموالون لروسيا الذين يسيطرون على الأرض هناك، وإن ذلك لا بد أنه قد تم بصاروخ روسى متطور وبمساعدة فنية روسية، ناهيك عن أمر روسى بذلك. ويزعم الأمريكان أن «بوتين» هو الحاكم بأمره فى المسلحين هناك، لأنه هو الذى يمدهم بالسلاح، وعليه فقد طالبوه بأن يستغل نفوذه لديهم لكى يسمحوا لرجال الإغاثة والمحققين الدوليين من منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا (OSCE) بدخول منطقة الحادث ومباشرة عملهم دون التعرض لهم من قِبل المسلحين. فلو أن «بوتين» يملك قوة التأثير السحرية على مسلحى شرق أوكرانيا الانفصاليين، بزعم أمريكا والغرب، لأنه مصدر تسليحهم وإمداداتهم، فكذلك «أوباما» يملك قوة التأثير على إسرائيل من نفس المنطلق، فلماذا لا يمارس تأثيره هذا ويجبر إسرائيل على وقف استهداف المدنيين فى غزة؟ كما أن مراسلى الـ«سى إن إن» ورجال منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا أجمعوا على أن المسلحين فى شرق أوكرانيا ليسوا فريقاً واحداً، بل نحو مائة فصيل لا رابط بينهم ولا اتصال، فكيف يكون لـ«بوتين تأثير» عليهم جميعاً؟ كان يمكن قبول ذلك الزعم لو أنهم كانوا جبهة واحدة بقيادة واحدة. كما أن روسيا وانفصاليى أوكرانيا لا مصلحة لهم فى استعداء العالم الغربى قاطبة عليهم بإسقاط طائرة مدنية. لقد قال الرئيس الأوكرانى لمراسل «سى إن إن»: إن قضية أوكرانيا الآن قد أصبحت قضية «دولية»، وعلى أمريكا وأوروبا أن تبادرا بعقوبات قوية ومؤثرة ومؤلمة على روسيا؛ فهل عرفنا اليوم مَن المستفيد من إسقاط الطائرة وتحويل الصراع فى أوكرانيا من قضية إقليمية إلى قضية دولية، وبالتالى يكون قد خطط لها. يعزز هذا الظن ما ذكره أحد مراسلى الـ«سى إن إن» من أنه يتعجب غاية العجب لماذا لم تبادر حكومة أوكرانيا بإغلاق مجالها الجوى فى وجه الطيران المدنى حماية له، بدلاً من السماح له بعبور أجوائها فوق منطقة نزاع مسلح، تعلم جيداً أن المسلحين المسيطرين عليها يمتلكون أسلحة متطورة، خاصة أنهم كانوا قد نجحوا فى إسقاط طائرة نقل عسكرية أوكرانية هناك قبل حادثة الطائرة الماليزية مباشرة!