برغم عملى كطبيب وبرغم أننى بحكم برنامجى الطبى قابلت كل التخصصات فإننى فُجعت عندما عرفت أن تكلفة شهر إقامة للفرد من كبار السن فى إحدى دور المسنين للرعاية الصحية تتجاوز الأربعين ألف جنيه!! فقد كانت معلومة جديدة بالنسبة لى، وغريبة ومفزعة بل ومرعبة، خاصة أننا نتحدث ليل نهار عن أننا مجتمع التكاتف والتعاطف والتراحم وتوقير الكبير والعطف على العجوز واحترام الشيخ، إلا أننا فى الحقيقة، ومع كامل الأسف والأسى، نحن مجتمع يجرم مع عواجيزه ويكره كبار السن الذين ربوه وعلموه بل ويتفنن فى تعذيبهم، بداية من الرصيف المرتفع الذى يصلح للقفز بالزانة، وليس لأن يصعد عليه رجل كبير مسن يعانى من خشونة الركبتين أو ربما يمسك بعكاز، وانتهاء بمستوى الأسانسيرات المنحط فى المؤسسات الحكومية، مروراً بتعامل موظفى البنوك مع أرباب المعاشات، وتصرفات وسلوكيات أطباء التأمين الصحى وممرضات المستشفيات ودور المسنين معهم، حكت لى ابنة رجل مصاب بـ«ألزهايمر» عن عذابها اليومى مع أكبر وأفخم دار فى مصر، عندما تزوره تجد متعلقاته مسروقة والموبايل مستخدماً ومستغلاً، والرجل مهملاً لا يسأل عنه أحد فى غيار أو دورة مياه... إلخ، ضمير غائب، ودم بارد، وقسوة صارت فطرية، ولا مبالاة أصبحت شعار المرحلة، والعجيب والغريب أن الكل فى هذه الدار يحافظون على الصلاة، ويتحدثون دائماً عن الحلال والحرام!! من الممكن أن يتساءل البعض: ولماذا يترك الأبناء آباءهم وأمهاتهم فى مثل هذه المصحات؟ بالطبع من يده فى النار ليس كمن يده فى الماء، ومن لديه أب أو أم يعانى أو تعانى من «ألزهايمر» يعرف ويلمس مدى المعاناة التى يعانيها الابن أو البنت، لا يمكن لطاقة بشرية بمفردها دون معونة طبية مدربة أن تحتمل وتتحمل مسئولية مريض «ألزهايمر»، مهما كان حجم الحب والتقديس والعاطفة، هناك احتياج لعلاج طبيعى وجلسات دعم نفسى، ومن الممكن علاج جلطات وسكر وأمراض شيخوخة متعددة، تحتاج فى البداية إلى ضمير ثم إلى تدخل طبى، وللأسف صار الضمير عملة نادرة. نداء إلى كل مستثمر يريد أن يفعل خيراً يا ليته يبنى دار مسنين مؤهلة صحياً وطبيا،ً فمصر تحتاج إلى مثل هذه الدور، وإلى مثل هذا الضمير.