تناول الإعلام ذكرى فض رابعة من الزاوية الأمنية فقط، وهو نفس الخطأ أو الخطيئة التى وقعت فيها الدولة من قبل عند تناول ملف الفتنة الطائفية الذى حصرته فى أدراج مباحث أمن الدولة. اعتصام رابعة له عدة زوايا وعدة دلالات ودروس وهو بورتريه مصغّر ودقيق لملامح مصر الاجتماعية والثقافية المشوهة، والتى دون الالتفات إلى علاجها جذرياً وبالجراحة الدائمة وليس بالتجميل المؤقت أو الماكياج المزيف، لن نصل إلى أى حل. السؤال الأول الذى طرحته رابعة هو عن نجاح من هم على المنصة فى استقطاب وإقناع وغسل دماغ هذه الآلاف المؤلفة بأن جبريل يصلى معهم وأن مرسى إمام للنبى فى الصلاة وأنه سيفطر معهم ثم يتناول الكعك وأن طريق النصر سينشق مثل اليم ليبتلع فراعين السيسى وأن دعاءهم على الطائرة لم يُسقطها لأنهم لم يخلصوا النية وأن البوارج الأمريكية استجابت لصلواتهم ووقفت على الشاطئ لضرب مصر وأن بشاراً قد مات وأن المسك يتصاعد من بقعة رابعة التى يفوق الحج إليها الحج إلى مكة!! إلى آخر كل هذه الأوهام والخرافات والهلاوس! هذا الحشد من البشر هم نتاج وإفراز خطاب تعليمى ودينى ردىء قتل تفكيرهم النقدى وجعلهم منوَّمين مغناطيسياً. كان من بين معتصمى رابعة حاملو دكتوراه قدوتهم صفوت حجازى وعبدالمقصود ووجدى العربى. المدهش أنهم مصدقون لتلك الترهات والخرافات، وهذا يفتح لنا سؤالاً ثانياً وهو عن الفرق بين المتعلم والمثقف وكيف يصنع لنا التلقين روبوتات صالحة للإرهاب بمجرد إشارة، وما هو تفسير أن يسافر مصرى لدراسة الدكتوراه فيعود إلى مصر أستاذاً بدرجة زعيم عصابة ينتظر اليوم المشهود الذى يلف فيه الحزام الناسف حول وسطه ليفجر نفسه صاعداً إلى حورياته السبعين؟! المشهد الآخر الذى يجب الالتفات إليه فى اعتصام رابعة هو أن سكان مصر الجديدة قد شاهدوا ترييف المدينة صوتاً وصورة وعلى الهواء مباشرة وبدون اللجوء إلى علماء الاجتماع لشرح هذه الظاهرة التى جرجرت مصر إلى الخلف مئات السنين وجرفت ذاكرتها ومسحت بأستيكة جهود رواد التنوير فى أوائل القرن الماضى، أطل سكان رابعة من نوافذهم الألوميتال الحديثة على مجموعة بشر معظمهم نقله الميكروباص من قوقعته التى ساهم فى انعزالها جامعة إقليمية هى كالصوبة أو الكتّاب، بتشديد التاء، ساهمت فى عزله أكثر وترييفه أكثر وترسيخ إحساسه بأن العالم كله يتآمر عليه وعلى قريته وعلى إسلامه الصحيح النقى!! كانت هناك حالة عداء صريحة مع قيم المكان الجمالية والحضارية المودرن سواء كانت بنتاً جميلة أو مبنى جميلاً. رابعة لها وجه اجتماعى مختلف تماماً عن وجهها الأمنى، فهى لم تكن صراعاً بين رجل شرطة ورجل دين من الممكن أن تكون لهما فى النهاية نفس الأفكار ويقفان على نفس الأرضية الثقافية ولكن فرقتهما المصلحة، بل كانت صراعاً بين مخاض حداثة واحتضار فاشية.