لم أندهش من شماتة السلفيين والمتأسلمين فى وفاة المناضل اليسارى والإنسان الجميل أبوالعز الحريرى، ولكنى اندهشت من سفالة اللهجة وسرعة الشماتة ودرجة فقدان الإنسانية التى وصلت إلى أدنى وأحط مستوياتها، وأندهش أكثر ممن لا يزال يصر على أن أمثال هؤلاء من الممكن أن يشاركوا فى بناء وطن وأن يمارسوا سياسة وأن يكونوا حزباً، كيف لمن افتقد أدنى درجات الإنسانية والمواطنة ويؤيد ذبح المخالفين فى الرأى أن يضمد جراح وطن ويلملم أحزانه ويجفف دموعه؟! كيف وهو لا يعرف معنى الحزن أو الدموع أو حتى الإنسانية؟ تخيلوا مشرفاً على قناة سلفية المفروض أنه أكثرهم ثقافة ومرونة يكتب على موقعه: اللهم إنى أسألك أن تعامل أبوالعز الحريرى بعدلك لا برحمتك وانتقم منه فى قبره وآخرته لكل من آذاهم!! فيرد صديقه بكل الحنان والطيبة: اللهم أرِ أبوالعز فى قبره ما كان ينكره واحشر معه كل من ارتضى أقواله وأفعاله!! حضرة السلفى المحترم بيقسم على مزاجه ويطلب من الخالق عز وجل: بلاش الرحمة دلوقتى وخلينا فى العدل، وبالطبع العدل بمفهومه وهو الانتقام والتعذيب!! حضرته بيتوسط وبيشترط وبيتشفى، وكمان بيتدخل فى طريقة الحساب فى الآخرة وبيطلبها على مقاس مزاج سيادته، ويطلب من الله عز وجل أن يكون معياره الوحيد فى حساب أبوالعز الحريرى هو خلافه مع الإخوان والسلفيين وما دام كان على خلاف سياسى معهم فمن المؤكد أن الله سيعذبه ويحرقه ويكويه لأنه زعّل الشاطر وتسبب فى قمصة بديع وتوتر صفوت حجازى رضى الله عنهم!! أما نزاهة أبوالعز الحريرى وضميره الذى رفض الثراء على حساب الفقراء والذى ما زال منزله المتواضع وسيارته المتهالكة التى حطمها الإخوان فى محاولة اغتياله شاهداً على نزاهته وتجرده وهو الذى لم يفعل مثل مشايخ السلفيين الذين سكنوا القصور وركبوا «الفور باى فور» وتضخمت جيوبهم من الريالات والدينارات وتزوجوا الغيد الحسان الكواعب مثنى وثلاث ورباع، كل هذا لا يهم فى معيار الحساب عندهم، لا يهم وقوف أبوالعز الحريرى فى وجه الظلم وقت أن كان الدعاة السلفيون يؤكدون على الانصياع للحاكم وإن ضرب ظهرك!! لا يهم ضمير أبوالعز اليقظ، لا يهم دفاعه المستميت عن حقوق العمال، لا يهم صوته المجلجل تحت القبة وهو ما زال شاباً يهاجم ديناصورات الانفتاح مع كتيبة البرلمانيين العظام أمثال القاضى وحلمى مراد وممتاز نصار وخالد محيى الدين وعلوى حافظ.. إلخ، لكن المهم أن الإخوان كانوا مقموصين وزعلانين منه، وميزان الحساب يوم القيامة لا بد وبالضرورة أن يتجه مؤشره لمساندة الفرقة الناجية ذات الدم الأزرق التى تحمل اسم الإخوان! لا تندهشوا من دواعش مصر، فمن يذبح بقلب بارد فى العراق وسوريا هو رجل قد تمكن فقط وسمحت له الظروف أن يظهر المخفى والمستخبى، ولكن الداعشى المصرى ما زال ينتظر التمكين، وساعتها ستشاهدون الذبح والسحل والدماء، لسبب بسيط وهو أن هذه هى ثقافتهم وإن أخفوها إلى حين، وهذه هى معتقداتهم وإن مارسوا التقية حتى وقت التمكين. رحم الله أبوالعزالحريرى الذى هو أشرف من كل التجار والسماسرة، ورحم مصر من مؤامرات الدواعش المؤلفة جيوبهم الميّتة قلوبهم.