طلبت يا فضيلة الإمام الأكبر شواهد على صحة نظرية داروين، سأقدم لكم من ضمن ملايين الشواهد العلمية المدروسة، شواهد من أجسادنا تحتاج فقط نظرة من فضيلتكم، شواهد استخدم فيها داروين العين والعقل والملاحظة والمشاهدة والمقارنة، لم يعتمد على العنعنة الشفوية التى يريدها البعض بديلاً للعلم التجريبى، سأحكى لفضيلتك مجرد إشارات لهذه الدلائل. فعلت نظرية التطور مثل أبطال قصص «أجاثا كريستى» الذين يتركون آثار جريمتهم متعمدين فى مسرح الجريمة.. ترك التطور بصماته على جسد الإنسان آخر درجة سلم صعود الكائنات، ولكن الفرق بين التطور وأبطال القصص البوليسية أن التطور لم يكن جريمة، وأن هذه البصمات لم تترك عمداً، بل هى علامات مصاحبة لرحلة التطور التى استمرت بلايين السنين، وأكدت أن الإنسان لم يخلق مستقلاً منذ الزمن الغابر ببصمات بقايا التطور، لأن السؤال الذى سيفرض لو لم نكن نتطور هو: لماذا وجدت أصلاً مثل هذه البقايا الضامرة فى أجسادنا؟ نتعجب أحياناً حين يحرك أحدنا أذنيه، ونعتبر ذلك من قبيل الألعاب البهلوانية، وأنها بقايا عضلات الأذن الضامرة التى يحركها الحيوان كرادار وبرج مراقبة تحذره من الأعداء، وهناك الزائدة الدودية التى كانت تساعدنا على هضم السيلولوز وقت أن كنا نأكل الأعشاب.. قارن حجمها الصغير نسبياً عندنا وفى الأرانب لتلاحظ الفرق الهائل فى الحجم. فى عام ١٨٠٠، اكتشف العالم جاكوبسون منطقة فى الأنف سميت باسمه «جهاز جاكوبسون»، وظيفتها عند الثدييات تحديد الشريك الجنسى من خلال شم مادة كيميائية تسمى الفيرمونات، وهى رسالة التواصل الجنسى فى الحيوانات، وأعتقد أن الإنسان الآن استغنى عن تلك الفيرمونات بالتواصل اللغوى وغرف الشات والعطور الباريسية! ومن تواصل المتعة لتواصل الخوف وقشعريرة الفزع التى يستعملها الحيوان منتصب الشعر لحجز الهواء وتدفئته وأيضاً منح جسده شكلاً مهيباً يفزع الأعداء لا يحتاجه البشر الذين احتفظوا ببقايا قشعريرة الذكرى، فعندهم الآن المسدس ولديهم وسائل إرهابية أخرى أشد قسوة. عندما كنا نتأرجح على الأشجار، كنا نحتاج الذيل، أما الآن فنحن ننظر فقط إلى هذه الأشجار أو نقتلعها! بقيت لدينا ذكرى، هى العصعص أو ما نترجمه بعظمة الذنب، وهو بقايا الذيل الذى يخدش غرورنا الإنسانى حتى هذه اللحظة، ومن ضمن ذكريات أيام تسلق الأشجار عضلة تسمى البلانتاريس موجودة وضامرة فى أقدامنا، وأحياناً نجد أناساً يجيدون استعمالها ويستطيعون الكتابة بقلم موضوع بين أصابع القدم، ولكننا نقدمهم على الشاشات التليفزيونية كمعجزة بشرية وفلتة إنسانية! وأعتقد أن أحفادنا بعد مليون سنة سينظرون إلى أصبع قدمنا الصغير المنقرض نظرة الاندهاش نفسها. لا تندهش عندما تشاهد جفناً ثالثاً فى عيون الزواحف أو القطط، فأنت لديك هذا الجفن ولكنه ضامر، وانظر فى المرآة عند زاوية الأنف ستجد هذا الجفن ضامراً يترحم على عبقرية داروين! وأعتقد أننا، كمصريين، نحتاج هذا الجفن لحمايتنا من السحابة السوداء، فهو للأسف ضمر عند البشر الذين لم يعودوا فى حاجة لمكنسة جلدية تنظف وتوزع الدموع على القرنية، ولكننا للأسف نتعرض فى مصر لسحابة دخان وأتربة نتمنى معها ألا نتطور ونرتد ثانية لمرحلة السحالى والقطط! هذه الهدايا التذكارية من السحالى والقرود والأرانب التى حفظناها فى متاحف أجسادنا تجبرنا على ألا نشتم أحداً ونصفه بالحيوان، فتلك الحيوانات هى أبناء عمومتنا الأعزاء!.