نشرت «الوطن» خبراً على صفحتها الرئيسية عن رجل غلبان لديه تسعة أطفال كلهم مرضى ولا يستطيع الصرف عليهم لأن مكسبه سبعون جنيهاً فقط فى اليوم من بيع البسبوسة!! حكاية تثير الرثاء، وقصة تدعو للشفقة، وأدعو لأطفاله بالشفاء، لأن أقسى شىء على الأب هو مرض أبنائه، لكن السؤال الذى يفرض نفسه هو: لماذا من الأصل وأنت بهذا الغلب والفقر تقرر أن تنجب تسعة؟! البعض يرد بأن هذا ليس قراراً ولكنه هروب من الظروف الضاغطة الصعبة التى تواجهه والتى لا مفر منها إلا إلى سرير الجنس الوحيد الذى من الممكن أن يمنحه الدفء والحنان فى مجتمع يصفعه بقسوة وشراسة كل يوم وينهشه لأنه فقير، عبّر عن هذه القضية الرائع يوسف إدريس فى قصته «أرخص ليالى». لكن عندما كتب إدريس هذه القصة فى الخمسينات كانت حبوب منع الحمل غير متوافرة ووسائل تنظيم النسل مازالت فى رحم المعامل، ولم تكن الدولة موفرة لها بالمجان فى جميع الوحدات الصحية، لا اعتراض على أن يمارس أى فقير أو غنى الجنس هرباً من مشاكله، ولكن ما هو الرابط المقدس الأزلى بين الجنس والإنجاب بعد اختراع وسائل منع الحمل التى صارت من كثرتها وتنوعها تنافس رغيف العيش على الأرصفة ومحلات البقالة! هذا الرجل أبو التسعة ليس نموذجاً متفرداً فى مصر، فأنا أشاهد يومياً بحكم عملى عشرات النماذج ممن أنجبوا تسعة وعشرة وحداشر!! الرد واحد: كله جاى برزقه.. هو انت اللى بترزق؟! أرض الله واسعة والولد عزوة برضه.. إلى آخر تلك الإكليشيهات والتبريرات التى يرفعها هؤلاء فى وجه كل من يحاول إقناعهم بأن الزمن والظروف لم تعد تحتمل مثل هذه الأعداد وأن المجتمع يغرق تحت وطأة هذا الحمل الثقيل وأن القنبلة السكانية ستنفجر وتحرق الأخضر واليابس. أعرف أن مشاكل مصر متعددة ومتشابكة وفيها أكثر من عامل وسبب، ولكن هذا الانفجار السكانى كارثة، وما أعلنه وزير الصحة أمس الأول من أن معدل الخصوبة المصرى العالى سيجعلنا 120 مليوناً بعد خمس عشرة سنة!! رقم كارثى رهيب خاصة مع معدل النمو الاقتصادى البطىء ونسبة التضخم الرهيبة والأحوال المتردية، إننا بهذا المعدل سنصير شعباً يأكل نفسه وينتحر بالبطىء. من ينجب اثنين أو ثلاثة الآن هو فى مأساة ومربوط فى ساقية تجعله ينزف مادياً كل يوم، فما بالك بأبو التسعة والعشرة الذين بالكاد يذكر أسماءهم!! عشوائية الخصوبة المصرية ستجعل الفقراء يزدادون فقراً، لأنهم للأسف هم المورد الرئيسى لتلك الأعداد، فالأغنياء لا ينجبون تلك الأعداد، والغلابه فقط وسكان العشوائيات والمقابر والأكواخ والعشش هم أصحاب ماراثون خلفة الأرانب. سيزيد أطفال الشوارع وتتفاقم أمراض سوء التغذية والاضطرابات النفسية وزحام الفصول ورداءة المواصلات وعدم كفاية البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحى لكل تلك الأعداد المهولة التى تتضاعف فى شريط ضيق ثعبانى مخنوق تحيطه صحراء شاسعة لا يطؤها أحد ولا يرغب فى كسر قانون التوأم الملتصق الذى يجعل الابن ملتصقاً بأبيه وأمه لا يغادرهما حتى فى المشيب وكأنه لم يُفطم بعد، إنجازنا الوحيد هو زيادة خصوبة الإنجاب وليست زيادة خصوبة الإبداع.