لم يكن مانشيت «الوطن» مفاجأة لى عندما كتب أن سائق «التريللا» الذى تسبب فى كارثة البحيرة كان متعاطياً للترامادول، فقد كنت قد تنبأت بعد الحادث بدقائق وراهنت على هذه النتيجة وطالبت بالتحليل، ليس لأننى شاطر أو مكشوف عنى الحجاب أو أعلم الغيب، ولكن لأن هذه هى القاعدة وغيرها، وهو عدم التعاطى، هو الاستثناء النادر. كتبت فى «الوطن» عدة مرات وصرّحت فى عدة برامج أن الترامادول أخطر من الهيروين، ومن الممكن أن يسبب الصرع وأن قدرته المزدوجة على اللعب والتحفيز لمناطق المزاج والنشاط يجعل زيادة جرعاته أسهل وأعراض انسحابه أخطر، ولن أملّ من تكرار هذا التحذير حتى ينصلح الحال وتصبح الشرطة ووزارة الصحة والدولة كلها قادرة على كبح جماح هذا الشيطان الذى حوّلناه من مسكّن سحرى إلى مخدر وطنى مطلوب لتحفيز نشاط السواق وتطويل زمن متعته وتقصير أعمارنا نحن الغلابة الذين نقابله على الطريق فنجده عكس الاتجاه أو بطىء رد الفعل، يدوس على الفرامل بعد ضعف الوقت المطلوب أو تأخذه تقييله وسِنَة نوم تحدث خلالها كوارث... إلى آخر نزيف الدم وجنازات الأسفلت اليومية التى يتصدرها قرص الترامادول. كتبنا من قبل محذرين من أن الترامادول اللعين صار كارثة وبائية أحاقت برجال مصر، وأطاحت بأدمغتهم، فقد أصبح الترامادول أكبر وأهم دواء يُستهلك فى مصر المحروسة، «يبلبعه» ثلاثة أرباع الرجال بحثاً عن وهم الفحولة وإطالة اللقاء الجنسى، وعندما يبحث عنه المحتاج المتألم فعلاً، والذى يبحث عن مسكّن قوى لآلامه، لن يجده، لأن الأستاذ طرزان الفحل قد سبقه واقتنص الترامادول من صيدلى، للأسف، معدوم الضمير. الترامادول أو الترامال أو الأمادول أو الترامكس أو الألترادول... إلخ، مسكّن شبيه بالمورفين، ويُستخدم فى الأصل لتسكين الآلام الشديدة، وله جرعات محددة المفروض ألا يتعداها، خاصة مرضى الكلى والكبد وما أكثرهم فى مصر، وإذا وصل إلى درجة التعود يضطر الشخص إلى مضاعفة الجرعة للحصول على التأثير، ولا بد أن يُسحب تدريجياً بعد هذه النقطة، وأعراضه الجانبية تبدأ من الصداع والدوار والغثيان وتصل إلى التشنجات وصعوبة التنفس وخلل وظائف الكبد، وله تفاعلات خطيرة مع أدوية أخرى مثل الأمفيتامين والسيميتدين ومضادات الاكتئاب وحتى الكولا! باختصار هو دواء لا يُستعمل إلا بمنتهى الانضباط، وليس حبة نعناع أو باكو لبان نبلبعه متى شئنا! ولذلك أدخلته وزارة الصحة المصرية ضمن جدول المخدرات فى الصيدليات. سائق المسافات الطويلة، على الطرق السريعة، هو بداية القصة، فهو يتناوله بهدف احتمال قيادة السيارة لهذه المسافة الطويلة ولكى يتحمل هذه الجلسة المملة المرهقة ويواصل ليله بنهاره وينقل حمولته رايح جاى دون نوم! نهاية القصة أو قمتها المتألقة النارية المتوهجة هى وهم علاج الترامادول لسرعة القذف. صار معظم رجال مصر، للأسف، يستخدمون الخلطة السحرية المكونة من الفياجرا والترامادول وكريم «أملا» المخدر لصناعة جنة جنسية خيالية، لا يهم المشاعر ولا تهم العواطف ولا يهم الحوار ولكن المهم صناعة ماكينة جنسية بأزرار باردة تحول الجنس إلى خرس وجليد واغتصاب مقنن ومهمة صيد بين صياد وفريسة!! يعنى مصر باختصار عاملة دماغ. شهريار يبحث عن ليلة جنس ممتدة بقرص ترامادول لا بقرص حب أو حنان وود وتواصل، من الممكن بعد هذه السهرة الحمراء الطويلة أن يضرب الأستاذ الفحل زوجته المسكينة التى تعامل معها كمجرد مخزن نفايات جنسية، لا يهم عنده، فالمهم فقط هو إرضاء غروره الأسطورى الطاووسى، والذى يجعله يحكى لأصدقائه بفخر على القهوة وهو يلعب الدومينو عن غزواته العنترية على سرير الزوجية! البعض يطحن المخدرات مع الترامادول، والبعض يسحقه ويسخنه ويحقنه، والبعض يبلبع ثلاثة أقراص دفعة واحدة، الترامادول صار خبزاً يومياً للمصريين. انتشر الترامادول بصورة سرطانية فى ربوع مصر من الإسكندرية إلى أسوان، بما ينذر بوباء سيأكل الأخضر واليابس، ويجعل المسطول هو النموذج، والدخان الأزرق هو الزاد، ومساء الخيييير هى النشيد القومى! «البحث عن وهم مزعوم وجنة بديلة ومتعة مصنوعة ولذة سابقة التجهيز».. هذه هى مفاتيح شفرة الترامادول، لا أحد يبحث عن علاج مصدر الألم، لكنه يبحث عن الحل السهل «الترامادول»، لا أحد يحاول حل مشكلته الجنسية عن طريق الطب الصحيح القائم على الدليل، لكنه يضرب الخلطة والمزيج ويبحث تحت قدميه ولا يرى أبعد من أنفه فيتخلص مؤقتاً من المشكلة بشكل مزيف لكى يقع فى مشكلة جنسية أضخم وألعن بعد فترة، فيفقد قدرته الجنسية نهائياً بعد أن يقع فى هوة الإدمان. غرقت برامجنا للأسف فى تسونامى السياسة ولم تهتم بتثقيف المواطن صحياً أو اجتماعياً أو جنسياً، الإعلام للأسف صار عبداً للإعلان وصار هو الترامادول المرئى.