كنت أشاهد بالأمس وبالمصادفة حلقة فى برنامج عبقرى منذ زمن التسعينات اسمه «وقائع مصرية»، بالطبع شاهدت حلقة يتيمة على اليوتيوب وليس على التليفزيون المصرى، فقد صار محرماً علينا رؤية كنوز ماسبيرو وتراثه بعدما أكلته العناكب فى الأرشيف أو تمت سرقته وبيعه للقنوات العربية الأخرى التى صرنا نتسول منها هذا التراث الرائع، تساءلت وأنا أشاهد حلقة من هذا البرنامج الوثائقى التسجيلى عن الفنان الأسطورة على إسماعيل وقلت أين معد ومخرج هذا البرنامج؟ أين هذه الطاقة وهذا الذكاء وتلك اللماحية وذلك الدأب؟ أين كمال مسعود؟ لم أعرف هذا الرجل ولم أقابله ولم أشاهده ضيفاً فى برنامج حتى فى الحلقات التى أخرجها وكتبها لم يظهر إلا خلف الكاميرا، لكنى شاهدت إنتاجه وإبداعه السحرى الذى أتحدى أى فضائية أن تنتج مثله وفى ظل فرق الإمكانيات الهائل بين زمن مسعود وزمن السبكى!، أنا لا أتحدث عن كمال مسعود كشخص ولكنى أتحدث عنه كرؤية، أتحدث عن مثل هذه النوعية من البرامج التى تستغرق تحضيراً وتسجيلاً بالشهور، أتحدث عن رغبة بلوغ الكمال فى صناعة البرامج التليفزيونية، أتحدث عن الاستعداد الثقافى للمعد والمخرج واحتشاده لبرنامج بمثل هذا المستوى المتميز، هذا البرنامج سبيكة انبهار وتفرد، أتذكر حلقة عن المصور السينمائى عبدالعزيز فهمى عنوانها الرسم بالضوء على ما أتذكر، الحلقة عبارة عن درس فى التذوق السينمائى، كيف تتعلم الفرق بين الإضاءة السينمائية والإنارة السرادقية؟ كيف كان هذا المبدع يختار التصوير على شمعة خدمة للمعنى الدرامى؟ حلقة أخرى عن المخرج شادى عبدالسلام، وثيقة سينمائية للأجيال وسيرة حياة فنان لن يتكرر، كيف كان يرسم المشهد بتفاصيله الدقيقة على الورق وبأنامل مايكل أنجلو السينمائى، ثم يدخل اللوكيشن لمجرد التنفيذ؟ أما حلقة على إسماعيل، فهى تحفة فنية عن بيتهوفن مصر الذى ظلمته وقفة الأوركسترا وظهره للجمهور، فعاش فى الكواليس ومات منسياً لا يحتفل بذكراه أحد، حلقات وحلقات أعدها وأخرجها هذا الموهوب الذى اسمه كمال مسعود، الذى للأسف لا أعرف إن كان حياً أو إن كان قد رحل عن دنيانا؟!، إلى هذه الدرجة هذا المخرج التليفزيونى المجتهد لا نعرف أين أراضيه، وأين ذهب به إحباطه؟، أطالب الأستاذ عصام الأمير بالبحث عن هذا الموهوب وإعادته للتليفزيون المصرى، فالموهوبون باتوا ندرة، ومنجم المبدعين الراغبين فى الكمال صار ضنيناً بجواهره ومعادنه النبيلة.