الدواء والبرمجيات هما قاطرة التنمية فى الهند، ومن الممكن أن يتكرر نفس الفكر وتتولد نفس الرؤية فى مصر، خاصة بالنسبة للدواء، فالكوادر والخبرات عندنا والمصانع والأسواق المتسعة لدينا، لا ينقصنا إلا التشجيع والتشريع، لذلك لم أتردد فى قبول دعوة غرفة صناعة الدواء الكريمة من رئيسها الأسبق د. مكرم مهنا ورئيسها الحالى د. أحمد العزبى والتى حرصا فيها على دعوة بعض الإعلاميين المهتمين بالقضية، أتمنى أن تدوم هذه السنّة المحمودة فى التواصل مع الإعلام، بعد أن كان الحوار فى قضية الدواء «حوار طرشان»، يتخيل فيه صنّاع الدواء أن هناك تربصاً من الإعلاميين وكراهية شخصية ومحاولة ابتزاز، بينما يعيش الإعلاميون فى وهم أن شركات الأدوية هى وحش كاسر يتنافس مع تجار المخدرات وسماسرة السلاح. وللأسف معظمهم لا يبذل أدنى جهد لمحاولة معرفة ما هو الدواء وما هى مراحل تصنيعه وما هى الخطوات التى بعدها يمكن أن نطلق على مركب أو منتج ما صفة دواء، هذه الندوة بداية تقريب وجهات نظر، وبداية اعتراف من غرفة صناعة الدواء بأن هناك تقصيراً من كبار الصيادلة ومن شركات الأدوية فى المساهمة فى التثقيف الصحى ورفع نسبة الوعى الطبى والثقافة الدوائية بالنسبة للمواطن المصرى، فهم قد تركوا الساحة لإعلام طبى متخلف معوّق إعلانى بحت رخيص القيمة مُهين للطب وللأطباء ولصناعة الإعلام والدواء. كانت هذه الجلسة بداية إحساس بالمسئولية من الطرفين الغرفة والإعلام، باكورة اللقاءات كانت محاضرة قيمة من د. أشرف الخولى، ممثلاً للشركات الدوائية البحثية التى لا تكتفى بمجرد التصنيع ولكنها تبتكر وتبدع لإنقاذ البشر من أمراض فتاكة ولتحسين نوعية الحياة، تناولت المحاضرة عدة نقاط مهمة، وأثارت تساؤلات كثيرة، تناولت الندوة أهمية التعجيل بإصدار قانون التجارب الإكلينيكية وإزالة أسطورة أننا فئران تجارب للدول الاستعمارية الفاسقة الكافرة... إلى آخر هذا الهراء الذى يصفّر فى جماجمنا المسكونة بنظرية المؤامرة. دقت المحاضرة جرس الإنذار أننا مقدمون على عصر الأدوية البيولوجية التى سيحتكرها العالم الغربى المتقدم ومعه إسرائيل بالطبع التى لا يقف الروتين الغبى فيها أمام إنقاذ أبنائها مثلما نفعل نحن بتخوفاتنا الرُّهابية وهلاوسنا المؤامراتية! ناقشنا صناعة الدواء التى ستنهار إذا لم تقف الدولة لحمايتها وفتح الأسواق أمامها، عرض د. الخولى فى محاضرته القيّمة كيف يمر الدواء بمراحل فى منتهى الصرامة والدقة من استخدام آلاف المركبات التى تدخل فلاتر علمية دقيقة حتى تنتهى إلى دواء واحد وأحياناً إلى خواء فتُصرف المليارات ويُلقى بالدواء فى سلة المهملات، ثم مرحلة التجريب على الحيوانات، وما هى الضوابط التى توضع للتجريب على البشر، وما هى المراكز البحثية المشتركة، وكيف تخاف الشركات العالمية على سمعتها وعلى دقة نتائجها فترفض غالباً إجراء الأبحاث فى مراكز دون المستوى حتى لا تخسر مكانتها العلمية والمادية وليس كما نتخيل نحن أنها تتحرق شوقاً لإجراء التجارب تحت بير السلم فى مصر، عرضت المحاضرة أيضاً التكلفة التى تقدر بالمليارات لابتكار جزىء دواء والتى لا تستطيع مصر تحملها إلا بقبول التعلم من الغرب ومشاركته وتعلم بعض التواضع وقبول أننا فى مسيس الحاجة إلى هؤلاء العلماء الغربيين لإنقاذنا لسبب بسيط وهو أنه ليس أمامنا طريق آخر. لتكن بداية تواصل وتعاون بعيداً عن التربص وعن نظرية المؤامرة.