نعم لدينا مشكلة، وفعلاً الإعلام يقع فى أخطاء علمية، نحن نعترف، فصحافتنا وفضائياتنا لا يوجد بها ما يسمى بالمحرر العلمى!، كانت هذه هى إجابة الصديقين الإعلاميين خيرى رمضان ومجدى الجلاد عن أسئلة الحضور فى إحدى الندوات، على رأسها: لماذا عندما نناقش قضايا علمية فى الإعلام نجد اضطراباً وخلطاً وأخطاء وكوارث ومغالطات؟، كل هذا الزمن منذ أواخر القرن التاسع عشر ولم تفرز لنا الصحافة المصرية ومن بعدها التليفزيون محرراً علمياً واحداً بمعناه الحرفى المعروف فى الصحافة العالمية باستثناء الراحل صلاح جلال فى جريدة الأهرام!، مصيبة وكارثة وفضيحة تدل على ضعف اهتمامنا وقلة اكتراثنا وشعورنا وإحساسنا الحقيقى بالعلم والتعامل معه على أنه شىء هامشى ووردة فى عروة الجاكتة وتكنولوجيا للاستهلاك فقط، نحن نتغافل عن أن كل مشكلاتنا حتى فى السياسة ناتجة عن غياب المنهج العلمى ومعرفة معنى العلم الحقيقى والتعامل معه بشكل انتهازى على أنه منتج تكنولوجى وليس منهجاً وراء هذا الاختراع، أعرف أن صناعة محرر علمى عملية فى منتهى الصعوبة ولكن لا بد أن نبدأ أول خطوة وليتبناها كيان إعلامى كبير تقلده بعد ذلك الصحف والفضائيات، القضية ليست فى صحفى يحسن الترجمة ولكن فى صحفى يجيد الهضم والتحليل وفلترة المعلومة وتبسيطها حتى تصبح سهلة الفهم، صحفى يفرق بين العلم والعلم الزائف، لديه فضول الأطفال وحكمة الشيوخ وجرأة وتمرد العالم الذى لا يخاف من طرح الأسئلة والذى لا يرتعش من تجاوز الخطوط الحمراء، يكفى أن أذكر لكم مشهداً واحداً حين خرج الصحفيون بعد المؤتمر الذى عقد لعرض نتائج جهاز علاج الإيدز وفيروسات الكبد الشهير بجهاز عبدالعاطى، لم يستطع صحفى واحد من الحضور صياغة الخبر وترجمة دلالات النتائج!!، مأساة ظل الصحفيون يسألون بعضهم: يعنى إيه اللى اتقال إحنا مش فاهمين حاجة!!، وأيضاً ما يدور الآن من لغط حول السوفالدى وأدوية الكبد الجديدة وهبوط مركبة الفضاء على المذنب والرحلة إلى المريخ وطب الأعشاب.. إلى آخر هذه القضايا التى تحتاج فقط إلى محرر علمى يفك خيوطها المعقدة ثم يعرضها لنا بأسلوب يقربها إلى أذهان القراء والمشاهدين والمستمعين، لا بد للنقابة أن تتصدى لأداء هذا الدور هى والصحف القومية والمستقلة والفضائيات الخاصة والتليفزيون الحكومى، التصدى يكون بدورات تدريبية وبإعلانات لخريجى الكليات العلمية للالتحاق بالصحف والفضائيات لتكوين كوادر مؤهلة، التفرقة ما بين مفهوم صحفى مندوب فى وزارة التعليم العالى أو الصحة ومفهوم المحرر العلمى، الاهتمام بالصفحات العلمية والبرامج العلمية والأفلام الوثائقية، التخلص من وهم وأكذوبة أن العلم دائماً متجهم ودمه ثقيل وأن البرامج العلمية عبء على القنوات لأنها تفتقد الجاذبية، لا بد لكلية الإعلام أن تبدأ من الآن فى إدخال هذه المادة فى مقرراتها الدراسية، فالدنيا ليست سياسة فقط، والكون ليست أخباره كلها انتخابات وأخبار وزراء ومتابعات فنانين ونشر فتاوى فقط. البداية مهمة والجرأة مطلوبة والاهتمام بالمصلحة الوطنية قبل قيمة الإعلان وحجمه، نحن فى أمس الاحتياج إليه الآن، المهم البداية ولو حصلنا بعد عام واحد على ثلاثة محررين علميين فسنكون قد أنجزنا إنجازاً عظيماً.