امتلأ صندوق بريدى الإلكترونى بدعوات ورسائل لحضور احتفاليات وفعاليات وندوات مواجهة العنف ضد المرأة واليوم العالمى والذكرى السنوية والمؤتمر السنوى والاحتفالية الكونية.. إلخ لرفض العنف ضد المرأة. تساءلت وأنا أقرأ هذه الدعوات عن مدى نجاحها فى القضاء على هذه الظاهرة المتخلفة المشينة، هل هى سلوك طارئ أم ثقافة متجذرة ومتأصلة فى الوجدان والضمير والعقول؟ سرعان ما ستكتشف أنها ثقافة متأصلة يبررها البعض بكافة وسائل التبرير، بداية من التبرير الاجتماعى وانتهاء بالتبرير الدينى، وما أدراك ما قوة التبرير الدينى الذى يستخدمه بعض الدعاة لوضع غلاف دينى برّاق على سلوك عنيف مهين للمرأة! استمعت إلى مقطع لداعية منذ أيام يبرر فيه ضرب المرأة ويقول لا فض فوه إن ضرب المرأة تكريم لها! وقمة التكريم الشرعى إنك تضرب زوجتك بشرط ألا تكسر عظمها وأسنانها وألا تقطع لحمها وألا تفقأ عينها! قمة التكريم والاحتفاء بالمرأة الزوجة والأم والأخت، احتراف فى الضرب وكورسات تدريبية فى الملاكمة الشرعية، وكما كان يفعل محمد على كلاى فى الضرب كنحلة والقفز كفراشة فى حركات خطافية على حلبة الملاكمة، عليك أيها الزوج أن تسدد لكمتك أو شلوتك أو روسيتك بحيث لا تكسر عظمة الفخذ أو تصفى مقلة العين أو تدغدغ الناب أو الضرس. إنها قمة الاحترافية الشرعية فى ضرب الزوجة المفترية! هل لو اعتبرنا ذلك النوع من الضرب الاحترافى المنضبط من الشريعة كما يقول هذا الداعية وأمثاله وذهبت الزوجة للقضاء الشرعى هل سيقول لها القاضى ما دام زوجك لم يفقأ عينك فهو مباح طبقاً للمادة الثانية من الدستور؟! لم يقل لنا هؤلاء الدعاة أيضاً وماذا إذا أخطأ الزوج وكسر عظمة الترقوة أو حطم ضرس العقل؟ ما هو العقاب الشرعى؟ وماذا عن المرأة التى تهينها مجرد الكلمة وتجرحها، بل وتجعلها تفضل الانتحار على العيش مع زوجها الفظ الجلف؟ ماذا لو أدمنت الزوجة الضرب أو بادلت الزوج بوكساً ببوكس أو شلوتاً بشلوت؟ هل هذا هو السكن والمودة والرحمة؟ لو شكلنا ألف مجلس قومى للمرأة ومليون مجلس أمومة وطفولة ووقّعنا على مليون معاهدة نبذ عنف فى الأمم المتحدة لن ننجح فى القضاء على العنف ضد المرأة، لأن لدينا خطاباً دعوياً متخلفاً مؤمناً بدونية المرأة وبأنها كائن يستحق الوأد والحرق، كائن مخلوق للجنس فقط وحتى فى الجنس هى مستقبِل أخرس، إن عبرت عن رغبة أو إحساس فهى آثمة مجرمة نجسة، هى مستباحة فى الشارع بالتحرش، ومستباحة فى البيت بالضرب، ومستباحة فى العمل بالاضطهاد، وبعد كل هذا هى فى قاع النار سبعين خريفاً! العنف ضد المرأة أصبح منهج حياة ومانيفستو عمل ودستور وطن وليس جملة اعتراضية أو حرفاً ضالاً أو جملة تائهة، إنه لم يعد بقعة فى الثوب، بل صار هو الثوب كله.