هل ما زالت عادة إلقاء عروس النيل فى النهر الخالد تعيش حتى الآن فى الوجدان المصرى؟ كنت أعتقد أن نفيسة بطلة رواية «بداية ونهاية»، هى آخر عروسة تلقى بنفسها فى النيل ولكنى كنت مخطئاً، فقد انتحرت عروسة نيل أخرى هى سمية خطاب من فوق كوبرى قصر النيل، لكن انتحار نفيسة يختلف عن انتحار سمية، والعروسان تختلفان عن «عروسة الفراعنة»، الثلاث هن قرابين، لكن العروسة الفرعونية كانت قرباناً لكسب ود ورضا النهر الهادر الفياض لتملقه وترويضه، والثانية نفيسة كانت تزف إلى النيل بأمر من أخيها حسانين الضابط، أما الثالثة سمية وهذا هو العجيب الغريب الصادم المدهش فقد كانت قرباناً للتوحش والتحرش، انتحرت فزعاً وخوفاً وهرباً ورعباً من همجى متحرش، انتحرت نفيسة بطلة نجيب محفوظ التى تحمل على كاهلها مأساة درامية مكتملة الأركان، هى عانس وما أدراك ما العانس فى مصر المحروسة، هى كائن معطل عن الحياة، لأن قطار الزواج قد فاته، وما دام قد فاتها القطار فليكمل مسيرته وليمر على جثتها بعد ذلك، فالموت لها أرحم من العنوسة فى مجتمع يجهز لها المقصلة إذا لم تصطد عريساً، ستظل بين شقى الرحى، العهر والشؤم، اتهام الفلتان والمشى على حل شعرها أو أنها شؤم فى الدار تمنع الرزق وتورث الفقر، أما سمية فهى ما زالت طالبة لا يخاصمها الجمال، كل ذنبها وجريمتها أنها تسير فى الشارع، قرر الذكر الفحل أن يلتصق بها من ماسبيرو حتى قصر النيل، مشوار لم يكل ولم يمل منه، يقتحم خصوصيتها وينتهك حريتها، إلى أين الهروب؟، لا مفر إلا القفز فى النيل الذى احتضن الآلاف من قبلها واللاتى كن قرباناً وأضحية!، نفيسة كانت خياطة تنسج أحلام اليقظة مع ثياب الزبائن، توهمت أن سليمان البقال يحبها وسيمنحها السكن والسكينة ويخلع عنها لقب عانس، منحته نفسها لكى يمنحها الأمان، صرفت من لحمها الحى وانكفائها على ماكينة الخياطة لكى تعلم أشقاءها، وعندما شب حسانين وارتدى بدلة الضابط كان قراره الأول نحر نفيسة التى لم تكن جوهرة نفيسة من وجهة نظره لأنها تلوثت بغبار سليمان البقال، غنى لها المجتمع سجنها الكبير فى زنزانة سجنها الصغير يا حلوة يا بلحة يا مقمعة شرفتى إخواتك الأربعة!!، تقلص الشرف وتم اختزاله فى غشاء، أما سرقة عرقها وحلمها وحياتها فقد كان قمة الشرف. رحم الله نفيسة وسمية وكل عرائس النيل.