وزير الزراعة يقرر عرض مشاريع الهندسة الوراثية على الأزهر لبيان موقف الدين منها!! مانشيت عجيب وغريب ومدهش، ما علاقة الأزهر بالهندسة الوراثية؟! ولماذا يتطوع العلماء، أو المفروض أنهم علماء، بالذهاب للأزهر وكأنهم يقدمون القرابين اعتذاراً عما اقترفوه من جرائم علمية؟! والمصيبة أن الأزهر نفسه لم يطلب من وزارة الزراعة عرض نتائج الهندسة الوراثية على لجنة كبار علماء الحديث والفقه والشريعة والبلاغة وبالطبع ليس من بينهم عالم فى الهندسة الوراثية. وبالرغم من ذلك يصرح د. البلتاجى، وزير الزراعة، أنه سيذهب لأخذ البركة وصك التحليل من هيئة علماء الأزهر، هل سيعود بنا وزير الزراعة المبجل إلى عصر سطوة الكهنوت فى العصور الوسطى؟ المؤسف أن محاكم تفتيش الكنيسة فى العصور الوسطى كانت تطارد العلماء وتطالبهم، فى شبه جلسة اعتراف، بالجرم العلمى الذى اقترفوه، لكن وزير الزراعة الهمام هو الذى يجرى نحو المشيخة بدون طلب مسبق لكى يعرض عليهم أبحاثاً مكانها الوحيد ساحات المعامل وقاعات الدرس والمؤتمرات العلمية وصفحات المجلات العلمية المحكمة وليس أبداً منابر الجوامع أو أعمدة الأزهر!! لماذا يحاول علماؤنا دائماً التبرع بوضع رقبة العلم تحت مقصلة الكهنوت؟ لماذا هذا الإغراء المزمن من جانب الجهات العلمية لمؤسسة الأزهر باستخدام عصا القمع الدينية فى كبت وتعويق مسيرة التقدم العلمى بالربط الدائم ما بين نظريات علمية نسبية أساس تقدمها وتطورها هو الشك والتساؤل والتفنيد والتكذيب وبين معتقدات دينية مطلقة لا تقبل النقاش، ألا يكفى ما حدث من جدل دينى معوق عطل زرع الأعضاء من ميت إلى حى لمدة ربع قرن، ألا يكفى ما حدث لمرضى اضطراب الهوية الجنسية من الجدل الدينى وإدخال أنف الشيوخ فى هذه القضية العلمية؟؟ عند عرض أى إنجاز علمى أو قضية علمية يكون دائماً النصح والإرشاد: «اجرى» على الأزهر لتحصل على الموافقة الشرعية، يناقش مجلس الأمومة والطفولة ختان البنات، «اجرى» على الأزهر، لندخل فى دوامة هذا الحديث ضعيف أم له سند قوى، وهذا الشيخ يقول عملية تجميل والآخر يقول الختان لسعادة الزوج... إلخ، ينجز أستاذ نساء عظيم مركزاً لأطفال الأنابيب؛ «اجرى» على الأزهر لبيان إذا كانت الأنبوبة حراماً أم حلالاً، الاستنساخ والهندسة الوراثية رغبة فى أجيال جديدة من البقر تدر لبناً مضاعفاً أو تحمل لحماً أكثر أو لزراعة محصول جديد يقاوم الآفات أو يضاعف الكمية أو ينمو فى غير أوانه، لماذا نحتاج رأى الأزهر وفتاوى الشيوخ فى هذه الأشياء، إن ما يحسمه العلم لا يصح أن نناقشه فى المؤسسات الدينية أو نطلب إجابته فى الفتاوى، ليس مجال الدين أن يبحث فى البيولوجى والفيزياء ويخترع نظريات ويعدل من معادلات. منهج العلم هو الشك، وإن أردت قتل العلم اقتل الشك والنقد ولجّم اللسان وأفزع العالم بمقولات مثل إنكار ما هو معلوم بالضرورة، وخدها كده واحفظها كده زى ما قال لك الشيوخ ولا تجادل يا أخى، وماتشغلش عقلك عشان ماتتعبش، ولحوم العلماء مسمومة، والعبرة بعموم اللفظ، وانت حتفهم أحسن من ابن تيمية يا مفعوص؟! ومن تفلسف وتمنطق فقد تزندق... إلخ. يا وزير الزراعة، خلى علماء الهندسة الوراثية يشتغلوا فى معاملهم بالبالطو الأبيض وأمام الميكروسكوب، وبلاش تلبسهم العمة والجبة والقفطان، المعمل له مكانه ودوره المهم، والمسجد أيضاً له دوره الفاعل والمهم، ومحاولة خلط هذا بذاك هى جريمة فى حق العلم والدين معاً.