أصدر الأزهر بياناً يرفض فيه تكفير «داعش»، وانتفض الليبراليون واليساريون انتقاداً لهذا البيان، لكنى على العكس مؤيد لعدم إدخال قاموس التكفير فى الخلافات السياسية، مهما كانت شدة تلك الخلافات، لأن عجلة التكفير شيطانية، لا تكف عن الدوران، ومقصلته سرعان ما تتعطش إلى رؤوس أخرى، ومنها رأسك أنت شخصياً فى النهاية، لأن مفهوم التكفير مفهوم مطاط يتسع لكل ألوان الطيف. أختلف مع منهج الأزهر فى خلافه مع الكتّاب والأدباء والفنانين وأيضاً أساتذته الذين يختلفون مع المنهج السلفى الذى سيطر على أروقة الأزهر ومع بطانة الإخوان الذين التفوا للأسف حول الشيخ الطيب الذى لا بد أن يتخذ موقفاً حيال هؤلاء ويتخلص منهم فى أسرع وقت، بدلاً من تشكيل محكمة تفتيش فى نوايا د. سعد الهلالى وغيره ممن يمتلكون رؤية مستنيرة يغرّدون بها خارج السرب، لكنى فى الوقت نفسه أرفض بيانات التكفير، سواء لمفكر أو لجهة أو حتى لعصابة دموية مثل عصابة «داعش»، ليس حباً فى تلك العصابة الإجرامية ولكن دفاعاً عن مبدأ عدم استخدام تلك الكلمة التى ما إن تنفتح مثل صندوق «الباندورا» حتى تنطلق منها ألسنة اللهب وثعابين التراشق التى تنتهى بقتل المخالف فى الرأى تحت شعار التكفير والردة، إلى آخر تلك المسميات التى لا بد من حذفها من قاموس الحوار والخلاف والتوصيف. نحن نحارب «داعش» لأنهم خارجون على القانون، لأنهم منتهكون للقانون، لأنهم مجرمون، لأنهم عصابة تستخدم الدين لتبرير مذابحها، ألا يكفى كل هذا لحرب «داعش»!؟، لماذا الإصرار على استدعاء التكفير من مخزن التراث لحسم معركة معاصرة؟ هم أيضاً سيستدعون من المخزن التراثى نفسه ما سيبررون به القتل والذبح والبتر والسحل تحت باب الجهاد فى سبيل الله والغزو والفتح والسبى من أجل إعلاء كلمته، ستأتى أنت بنصٍّ من الكتب، سيفتح «الداعشى» لك كتباً أخرى تؤيد وجهة نظره وتنتمى إلى العصر نفسه، تكفّرك أنت شخصياً وتبيح قتلك، ونظل فى هذه المعركة الجهنمية النصية التراثية، وتعلو نبرة التراشق التكفيرى وتتوه الحقيقة. إن تلك العصابة لا بد من استئصالها لأنها خارج القانون وخارج التاريخ ولها مصالح، وتتحرك وفقاً لأجندة خارجية وهى مجرد مخلب تنفذ به مؤامرة من ضبع متربص ينفذ مخططاً قذراً يستخدم الدين لتمزيق أوصال الوطن، وبالطبع سلاح التكفير هو من أهم أسلحته التى يستخدمها. أرجوكم لا تكيلوا بمكيالين، وكونوا بعيدى النظر، ولا تستخدموا هذا القاموس ولا تغروا أى مؤسسة دينية باستخدامه، كنت أنتظر من كل الليبراليين واليساريين وأنصار الدولة المدنية أن يهاجموا تلك النغمة التكفيرية، ويبدأوا فى العزف على أوتار الدولة الحديثة التى تتحدث عن المواطنة والديمقراطية والتقدم والتنوير والحداثة، بدلاً من تسول ألفاظ التكفير والردة وإنكار المعلوم بالضرورة والولاء والبراء.. إلخ، بل الكارثة أن يدفع الليبراليون بعض الشيوخ والدعاة الذين ينتظرون الفرصة لمزيد من بسط السيطرة، دفعاً إلى استدعاء قاموس هو شرارة، سرعان ما ستحرق الأخضر واليابس.