قدم د. أحمد عكاشة ورقة للنهوض بالأخلاق أعتبرها شخصياً من أفضل وأروع ما كُتب فى هذا المجال وأكثره دقة وقدرة على التحليل والاستبصار. ولا بد أن تكون هذه الورقة «مانيفستو» رؤية وروشتة علاج لمصر مما وصلت إليه من انحدار أخلاقى مرعب وأنيميا ضمير كارثية لا تنفع معها الفيتامينات فقط بل تحتاج إلى غرفة عناية مركزة بحجم الوطن وإمكانيات كل الوزارات والمسئولين. البحث 13 ورقة لا بد أن تسعى إليها الصحف والفضائيات لعرضها كاملة ومناقشتها وتحليلها، فالمجلس الاستشارى العلمى الذى قدم إليه د. عكاشة البحث لو ظل حبيس الغرف المغلقة ولم تخرج توصياته ومناقشاته إلى الشارع فنحن سنخسر كثيراً، سأقتبس مجرد فقرات من تلك الورقة المهمة لإلقاء بعض الضوء عليها، يقول د. عكاشة معدداً أسباب الانفلات الأخلاقى ما يلى: - غياب الضمير وتدهور الصحة النفسية وعدم الرضا النفسى. - تآكل هيبة الدولة، فقد تحولت أهداف ثورة 25 يناير نحو سقوط الدولة بدلاً من سقوط النظام، وكانت الهتافات تسعى لسقوط هيبة الدولة فى مؤسساتها. - الهجوم على أقسام الشرطة وحرقها وقتل الضباط والجنود وخلق علاقة عدوانية مع الشرطة مما تسبب فى غياب الأمن وعدم تطبيق القانون، والالتزام بالقانون هو أساس الأخلاق حيث إن الالتزام بالقانون هو عمل الفص الجبهى فى المخ المسئول عن الضمير والالتزام (غير موجود فى الحيوانات). - الهجوم على القضاء وعدم احترام قدسية المحاكم وتناول الأحكام فى الصحافة، مما أثر على أخلاقيات المواطن فى احترام المؤسسة القضائية وعدم الالتزام بقراراته (حصار المحكمة الدستورية)، وكذلك بطء العدالة مما يجعل الفرد يأخذ حقه بنفسه، ولذلك تأثير بعيد المدى على الأخلاق. والحق يقال إننا فى سبيل إعادة هيبة الدولة علينا الالتزام بالقانون، واحترام وحب الشرطة، ويبقى عدم تناول الصحافة القضايا المعروضة أو التعليق على الأحكام وعدم ظهور القضاة على شاشات التليفزيون، للعودة إلى ما يحدث فى كل البلاد من قدسية القضاء التى ترتفع بالأخلاق. إن إحساس الصحافة والإعلام بأنهما سلطة رابعة كان خطأ شديداً من الرئيس الراحل أنور السادات لأن الصحافة والإعلام رقابة شعبية ولكنها تعامل الآن كسلطة ولا تتحمل المساءلة، وهذا خطأ كبير لأن بعض هؤلاء يفسدون الأخلاق لعوامل شخصية. ويجب الالتزام بأن الصحافة ليست سلطة رابعة، فالسلطة هى: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية فقط. يضيف د. عكاشة فى فقرة أخرى تتعلق بكيفية النهوض الأخلاقى عن تجديد الخطاب الدينى: - تغيير الخطاب الدينى إلى الخطاب الوسطى التسامحى. تغيير الخطاب الدينى بالاهتمام بالجوهر بدلاً من الطقوس، فالجوهر هو العدل، الحب، الرحمة، الوسطية، تجاوز الذات، العطاء، الصدق... إلخ (المصريون أكثر شعوب العالم فى الحج والعمرة، والشعب المصرى هو الأوحد بين مسلمى العالم الذى يتحى بالزبيبة وهى حساسية فى الجلد!!)! وللأسف الطقوس تتغلب على المعاملة، للأسف تساهل الأزهر فى زحف التيار الدينى المتطرف على كل مؤسساته مما أفقده الوسطية، ولذا يجب تغيير الخطاب الدينى، وهو أملنا الوحيد فى التسامح والتوافق المجتمعى.