قرأت ورقة بحثية مهمة كتبها حاكم دبى محمد بن راشد يفسر فيها السر وراء اختيار حكومة الإمارات من قبل المعهد الدولى للتنمية الإدارية بسويسرا، الحكومة الأكثر كفاءة على مستوى العالم، الورقة بعنوان الابتكار أو الاندثار، تطرح اختياراً وجودياً بالنسبة لأى بلد يريد النهوض من كبوته، إما أن يبتكر فينضم إلى نادى الحضارة، أو أن يندثر ويتوارى وينضم إلى قبيلة المنقرضين ويصبح وطناً من الحفريات والمومياوات. الورقة بها رؤية شاملة وأرقام ذات دلالة تستحق أن يحفظها كل مسئول فى مصر والعالم العربى، ما تلك الأرقام التى ذكرها حاكم دبى ولا بد أن نحفظها عن ظهر قلب: 65% من الطلاب فى مرحلة رياض الأطفال سيعملون فى وظائف غير موجودة حالياً بل سيتم استحداثها، وفى دراسة لجامعة أكسفورد تبين أن 47% من الوظائف الحالية فى جميع المجالات الرئيسية ستختفى بسبب التقدم التقنى والتكنولوجى، حيث ستحل الأجهزة محل البشر وذلك خلال عقد من الآن فقط! والسؤال هو: كيف نجهز أجيالنا وأبناءنا لذلك الوقت؟ وكيف نعد دولنا للمنافسة ليس الآن، ولكن بعد عقد أو اثنين من اليوم؟ أكبر 500 شركة عالمية قبل 40 عاماً كانت أصولها المرئية تمثل 80% من إجمالى الأصول، لكن اليوم أصبحت الأصول غير المرئية كالأبحاث والدراسات والاختراعات تمثل أكثر من 80% من إجمالى الأصول فى قائمة الشركات الـ500 الأولى عالمياً، وإذا أرادت الحكومات أن تبقى فى دائرة المنافسة العالمية، وألا تشيخ فلا بد أيضاً أن تحذو حذو تلك الشركات، وأن تبدأ بإعادة التفكير فى ميزانياتها، وأين تصرف أموالها، فتقليد القطاع الخاص لا يكون فقط فى الخدمات، بل حتى فى طرائق صرف الميزانيات وأولوياتها. حكومات أمريكا وأوروبا تصرف مجتمعة سنوياً أكثر من 250 مليار دولار من الأموال الحكومية على الأبحاث والتطوير لتبقى فى مواقع الريادة العالمية، وليس خافياً على أحد أيضاً أن سر تطور دول مثل: سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية خلال فترة قصيرة هو تأجيل الصرف على البنية التحتية وتركيزها الكبير على تطوير التعليم وبناء مهارات ومعارف شعوبها، أى البنية غير المرئية. بريطانيا تصرف من ميزانيتها سنوياً على البنية التحتية غير المرئية كاستحداث الأنظمة والتدريب والأبحاث والتطوير أكثر مما تصرفه على البنية التحتية المرئية من شوارع، وأنفاق ومبان وغيرها (124 مليار جنيه مقارنة بـ93 مليار جنيه حسب أرقام 2009). إذن، علينا أن نهتم بتنمية التفكير النقدى الإبداعى الابتكارى وإلا سننقرض وتتسع الهوة وتزيد الفجوة والجفوة بيننا وبين العالم الذى ينطلق بسرعة الصاروخ معتمداً على وقود من تعليم جيد وحرية إبداع وتفكير نقدى خارج الصندوق، فهل نفيق من وهمنا المزمن؟