طالب بطب أسنان يقتل صديقه طالب الصيدلة برشاش آلى فى الجامعة نتيجة خلاف على موبايل.. وقبله طالب آخر يطعن زميله أيضاً لخلاف على مكان ركن السيارة!! «ماذا حدث للمصريين؟» ما زال سؤالاً بلا إجابة برغم محاولة د.جلال أمين الإجابة عنه فى كتاب كامل. صفحة الحوادث فى مصر تحتاج إلى قراءة شاملة ومتأنية ودقيقة من كل علماء النفس والاجتماع، إنها من وجهة نظرى أهم من الصفحة الأولى، فما معنى مشاريعنا القومية ومعاركنا الوطنية إذا كان السوس ينخر فينا وفى شبابنا بهذا الشكل مخترقاً قلب النخاع المصرى، ماذا حدث للمصريين؟ للإجابة عن هذا السؤال وغيره من الأسئلة المهمة لا بد من أن تكون مرآتك لقراءة مصر ليست صفحة الاجتماعيات المخملية بل صفحة الحوادث الواقعية، فى هذه الصفحة ستنظر من خلال ثقب الباب حيث يتخلى المجتمع عن وقاره الزائف وهدوئه المفتعل وابتسامته المصطنعة، حيث يتعرى ويصبح «على راحته» ويخلع ثياب شعاراته البراقة التى اعتبرناها لقرون من الزمان بديهيات مقدسة مثل مقولة المجتمع المصرى الصبور الهادئ طويل البال الذى لا يلجأ للعنف لحل مشاكله، إلى آخر هذه الأكليشيهات التى صدقناها وساهم فى ترسيخها بعض رجال السياسة وبعض علماء الاجتماع الذين يبررون ولا يحللون ويبيعون العلم من أجل الدعاية، والصدق من أجل المنصب، والكتاب الأكاديمى من أجل الكرسى الجلد الوثير، فى صفحة الجريمة سنرى أنفسنا بدون مساحيق وأصباغ وماكياج، نرى فيها المجتمع قبل أن يجرى عملية تجميل لشد الوجه المتجهم الغاضب وشفط دهون البطن المترهلة المرتخية، لا يصح الادعاء بأنها صفحة المرضى النفسيين فقط أو ما يطلق عليهم «السيكوباتيين»، فالرجل الذى يسرق لسد جوع أطفاله لا يصح أن نطلق عليه مريضاً نفسياً بل هو رجل فقير معدم قبل أن يكون متهماً خارجاً على القانون، إنه بالفعل سارق ومتهم لكنه أيضاً جائع ومشرد وحل مشكلته ليس فى مصلحة السجون بقدر ما هو فى أروقة مجلس الشعب وفى مدرجات الجامعة، وذنبه فى رقبة وزراء الاقتصاد والمالية وليس فى رقبة وزير الداخلية، والشاب الذى يبقر بطن من يختلف معه لم يتعلم فن الحوار أو آداب الذوق لا فى فصل مدرسة ولا فى حضن أسرة، والصبى الذى يلف سيجارة البانجو أو يتعاطى الترامادول هو حطام إنسان يحتال للهروب من واقعه القاسى الفاجر قبل أن يهرب من أعين رجال البوليس، والزوجة التى تمزق جسد زوجها بالساطور وتعبئه فى أكياس، قبل أن تتحول إلى مجرمة كان زوجها قد حولها إلى مجرد أشلاء روح وفضلات وفتات إنسان، ضاجعها وكأنه يتبول فى دورة مياه، ضربها وكأنها مجرد حيوان، داس على كرامتها وكأنه يدوس على عقب سيجارة، مزق روحها شظايا بتلذذ فمزقت جسده فتافيت بمنتهى العنف والتشفى. إننا لا نبرر الخروج على القانون إنما نرصد لماذا تم هذا الخروج وكيف؟ لماذا قفز هؤلاء من على سور المحرمات وتجاوزوا الخط الأحمر للأعراف والتقاليد؟ لماذا كل هذا العنف الذى صار يصبغ الشخصية المصرية فى الوقت الحالى؟ لماذا اختلفت نوعية الجرائم فى مصر ولماذا أصبحت صفحة الحوادث متخمة بأخبار الجريمة ومحصولها من العنف والتحايل والغرابة وفيراً؟ والأهم، لماذا فقدنا نحن قدرتنا على الدهشة من تلك الجرائم التى يقشعر لها البدن من هولها وفظاعتها؟ هل نحن فقدنا هذه الدهشة لأننا نعيش فى حالة «تولة» جماعية كما وصفها د.يوسف إدريس وهى حالة غياب وعى جماعى أو على الأقل هو وعى مخدر «شامم خطين هيروين»، أم هى حالة «تناحة» كما عبر عنها د. محمد السيد سعيد ومعه الباحث أحمد محمد صالح، وهو تعبير يعكس «منظومة سلوكيات السلبية واللامبالاة والأنامالية والاستهتار والبلادة.. والتحايل والعجز والنفاق والاستسلام لدرجة اليأس»، والتى تجعلنا على حد تعبير الباحث محمد صالح «نتعامل مع العمل وكأنه سد خانة، والمسئولية وكأنها تشريف، وأصبح الذين يحكمون لا ينتجون، وإذا كان هناك من ينتجون فهم لا يحكمون، فالوطن كله فى إجازة وضع»!!