سيدة تقتل زوجها بمساعدة عشيقها!! أم تكتم أنفاس رضيعها حتى لا يبكى أثناء لقائها الحميم!! ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا تفرّدت صفحات حوادثنا بهذه المانشيتات الكارثية؟! كيف تمر علينا تلك المانشتات دون أن تصدمنا وتقتلعنا من الجذور وتزلزل طمأنينتنا المزيفة؟ كيف تمر علينا دون دراسة دلالاتها؟ كيف نظل حتى الآن نردد كالببغاء: فلتطمئنوا يا شعبنا الجميل فأنتم متدينون بالفطرة. هناك من يسأل: متى تتم الجريمة؟ الجريمة تتم إذا فقد الفرد بوصلة التمييز، وارتفعت عنده حدة الغضب لدرجة العمى الكلى، ووصل اليأس إلى قمته، وأصبح الحل والتفكير فأراً مذعوراً فى نهاية ذيله خرقة مبللة بالكيروسين ينطلق فى حقول وأحراش العواطف المتأججة وردود الفعل الملتهبة دون أن يمر على بوابة العقل، ولكن لماذا وصل المجتمع إلى هذه الحالة من الهستيريا؟ نعم هى هستيريا, فأنا أعترف بأننى عندما أقرأ صفحة الحوادث يعترينى إحساس بأن المجتمع فى حالة زار جماعى تختلط فيه الأجساد وتتصاعد معها حرارة الحمى والدروشة على صوت دفوف صارخة بإيقاع رتيب ممل خانق، فهناك من يخبط رأسه فى الحائط، وهناك من يمارس الجنس مع ممسوسة بدعوى إخراج الجن من جسدها، وهناك من يهتز على الأنغام وينزف دون أن يتألم، ومحاولة رصد هذا الزار المحموم محاولة شبه مستحيلة ولكننا على الأقل نستطيع قياس النبض والحرارة لجسد المجتمع المحموم من خلال صفحة الحوادث والجرائم، لأننا إذا أنكرنا هذه الصفحة نكون كمن يقيس الحرارة دون ترمومتر أو بمجرد وضع اليد على الجبهة، وأعتقد أن تحليل صفحات الحوادث هو بلغة الطب رسم قلب دقيق للمجتمع المصرى وأشعة مقطعية لعقله وأحشائه من الداخل، وبالطبع سيقود كل ذلك إلى التشخيص السليم ومن ثم إلى الحل السليم. سيرد قارئ مستنكراً بأن هذه الحوادث هى مجرد حوادث فردية، وأعتقد أننا إذا لهثنا وراء هذه الأخبار الشاذة والجرائم المستنكرة وتراكمت فوق رؤوسنا تلال منها فنحن لسنا أمام حوادث فردية وإنما أمام تيار عنف مريض واحتجاج صامت وغليان داخلى، والعالم النفسى الكبير د. مصطفى سويف رفض تعبير الحوادث الفردية ويسميها «الحوادث ذات الدلالة»، وهى فى رأيه من الممكن أن تكون غير مسبوقة ولكن لأنها تقع فى سياق معين يكون لها معنى «المؤشر» و«النذير» و«النبوءة»، أى أنها «تنذر بأننا على مشارف تيار من الجرائم يمثل تصعيداً على مستوى العنف أو التخطيط أو التنظيم أو الاستهداف أو أى بعد آخر من أبعاد السلوك الإجرامى وهى متعددة»، انتهى تعليق د. سويف ولكن لم ينته طابور المعترضين على استخدام صفحة الجرائم والحوادث كمقياس ومعيار، ولكن برغم كل الاعتراضات فإن أحداً لم ينكر غرابة وبشاعة ما تطالعنا به صحف الصباح من جرائم والتى حولت ليلنا، كما يقول الكاتب سعد القرش «ليلنا خمر تختلط فيه دماء ضحايا وأطفال، بأموال مرتشين، وقوادين، وفاسدين، بأعراض أبرياء وبريئات وبائعات هوى بذمم ضاق بها أصحابها، فاتسعت بحجم ما تتعرض لإغراءات».