فى ظل الأزمة المالية الخانقة التى تعيشها القنوات الفضائية من تأخير مرتبات وتسريح عمالة وتقليص برامج وتراكم ديون، اتجهت الفضائيات فى سباق محموم هستيرى نحو البرامج الطبية مضمونة المكسب السريع، التى يشترى فيها سمسار إعلانى ساعة يومياً من القناة مقابل مبلغ مالى ثم يجمع الغلة هو وشطارته من الدكتور الضيف، وبالطبع وغالباً ما يكون الضيف طبيباً متوسط القيمة أو تاجراً أو مروجاً لخرافة مثل الأوزون أو الطب البديل أو نرجسياً مهتماً طوال الوقت عن الإعلان عن عيادته والخوض فى غمار أمجاده وفتوحاته، ولأن الغرض إعلانى بحت فالتخصصات التى تدور فيها كل هذه البرامج هى تخصصات معدودة على الأصابع، وهى التى يدور بينها تنافس شديد مثل التجميل وعلاج العقم والأسنان.. إلخ لكن لا أحد يقترب مثلاً من الأمراض الوراثية للطفل أو الأمراض النفسية أو التصلب المتعدد.. إلخ، باختصار ما يحدث على الساحة الإعلامية الآن من برامج طبية هو مقاولة وسبوبة ولكنها فى أرواح وصحة البشر، الشكل فج والطريقة مستفزة والأسلوب وضيع من إعلانات على الشاشة ويافطة خلف المذيع ودعاية مقززة للضيف، وكأنه كوكتيل من مجدى يعقوب ولويس باستير وباراكير!! لكن الجميع يرد عليك مبرراً هذه المهزلة «حنعمل إيه وحنقّبض الناس منين!!»، إذن هناك اعتراف أولاً بأهمية وجاذبية برامج التثقيف الصحى، بدليل أن أكثر البرامج مشاهدة فى العالم هو برنامج doctors، ثانياً هناك اعتراف بأن السوق الإعلانية الوحيدة المضمونة الآن هى السوق الطبية وإن كنت أكره هذه التسمية ولكنى مضطر إليها للتبسيط وتقريب المعلومة، لكن كيف تستغل هذه السوق بشياكة ودون الإضرار بصحة المواطنين وباحترام لمهنة الطب السامية؟ هذا هو الفيصل وذلك هو السؤال الصعب الذى لا بد من الإجابة عنه ما دمنا قد اتفقنا على فعالية هذه السوق فى إنعاش الفضائيات، أنا لست ضد الإعلان الراقى ولكن بشرط أن يكون خارج الفقرة البرامجية، يعنى تعلن المؤسسة الطبية الكبيرة الموثوق فيها فى الفاصل عن نفسها كراع للبرنامج ككل دون تدخل فى المحتوى، وليس إجبارياً على الإطلاق أن يطل علينا صاحب هذه المؤسسة 365 يوماً فى السنة وكأنه مقرر علينا! والسؤال هل موبينيل أو سامسونج أو زيت عافية.. أو غيرهم من الرعاة يفرض على برامج التوك شو أن يمسك المذيع بتليفوناتهم طوال الحلقة أو أن تضع المذيعة زجاجة زيت أمام كل ضيف؟! ثانياً: المفروض ألايسمح بأرقام تليفونات أو يفط مثل نمر الكباريهات داخل الحلقة، وثالثاً والمهم أن يكون البرنامج تثقيفاً صحياً بجد، فقراته متنوعة، وليست تطبيلاً لجيمس بوند الضيف اللى مافيش قبله ولابعده!! هناك طرق أكثر احتراماً وشياكة وأقل مدعاة للقرف والاشمئزاز، تخيلوا للأسف الشديد دجالون ونصابون تجار أعشاب ومعالجون بالوهم والخرافة ينشئون قناة واثنتين وثلاثاً ولم يفكر رجل أعمال واحد أو صاحب شركة أدوية واحد فى إنشاء قناة طبية صحية تساهم فى إنقاذ هذا الوطن المسكين المستباح عقله والمنتهكة صحته من المقاولين والسماسرة والأفاقين، وهو لن ينشئها فقط للمصلحة الوطنية حتى لا أكون محلقاً فى جو ملائكى حالم، بل سينشئها لمصلحته أيضاً ولا بد أن يكون واثقاً أنه سيكسب منها ولكن بشياكة ورقى وتحضر واحترام للعلم ولنفسه ولبلده.