عندما كتبت أمس كنت أتخيل أن الفضائيات تتاجر فى الهواء بالطب فقط وتؤجر ساعاتها مفروشة لسماسرة الصحة حصرياً، لكنى فوجئت بكارثة أكبر انكشفت كواليسها حين اطمأن مسئولو ومديرو ورؤساء تحرير بعض الفضائيات إلى أن الانتخابات البرلمانية قد اقتربت، وكان هذا قبل حكم المحكمة الدستورية الأخير وتأجيل الانتخابات، بدأ هؤلاء فى الاتفاق مع بعض نواب مجلس الشعب على استضافتهم للدعاية مقابل مبلغ مالى بدايته عشرون ألف جنيه لنصف الساعة ووعدوهم بزيادة المبلغ أضعافاً مضاعفة عند استضافتهم فى برنامج التوك شو الرئيسى للقناة، وسيتضاعف أكثر إذا كان ضيفاً منفرداً لا يشاركه أحد التورتة ولا يزاحمه أحد فى الكوشة، أما المبلغ الكبير فسيكون عندما يقوم المذيع الهمام بالتطبيل والرقص عشرة بلدى لنائب البرلمان التمام!!، ليست القضية حلاً لأزمة الفضائيات الخانقة، ولا يمكن تبريرها وتمريرها بهذا الشكل وتفسيرها على أنها تسول شرعى من أهل الإحسان البرلمانيين، إنها كارثة سياسية ومصيبة إعلامية وفضيحة فضائية وبورنو إعلانى صريح، إنه خداع وتزييف وتدليس، لا يمكن قبول أن تتحول بعض الفضائيات إلى فتيات ليل يؤجرن أجسادهن ويبعن المتعة لمن يدفع أكثر، أو تنقلب إلى بانسيونات رخيصة للإيجار لإطفاء ظمأ الشبق السياسى ودون إبراز بطاقة هوية للريسيبشن الإعلامى وبخداع جماهير السكان المشاهدين وقرطسة الموظفين!!، سيرد البعض ما التليفزيون المصرى كان بيعمل كده!!، لا.. الوضع مختلف فحتى فى أعتى عصور التزوير المباركى للانتخابات كان ماسبيرو يقدم أوقاتاً متساوية دون إيجار لكل حزب يقدم فيها ويشرح برنامجه الانتخابى، لكن أن يخرج علينا أفراد، كلٌّ بمقدرته المالية ويشعلون مزاد الفضائيات بالبنكنوت والرشاوى نتيجة فشل إعلاميين يلطمون الخدود ويشقون الجيوب عويلاً وبكاءً على فضائياتهم الخسرانة نتيجة حماقتهم الإعلامية وفشلهم المهنى، فهذا مرفوض رفضاً باتاً، تلك الرشاوى الهوائية المقنّعة لا بد لها من وقفة حاسمة باترة، هذه الفوضى الفضائية العشوائية المقزّزة المرعبة لا بد لها من تنظيم حاسم وضبط صارم، لا يمكن لقوتنا الناعمة أن يتاجر بلحمها بهذا الشكل المهين، حرام أن تؤجر شاشاتنا وتتحوّل إلى سوبر ماركت يبيع منتجات منتهية الصلاحية لكل من هبّ ودبّ، يكفى أن البلد انهار بسبب إفساد المال للسياسة وتزاوج السلطة بالثروة، قامت ثورة فى الشوارع، لكنها لم تصل بعد إلى الشاشات، ما لنا نحن وما لأناس لا يتقنون بناء صروح إعلامية جيدة ومهنية واحترافية؟ ما لنا نحن فى أن نتحمّل تخبّط إعلاميين ما بيشتغلوش على نفسهم بأى خبرات جديدة أو مهارات مستحدثة؟!، ما لنا أن نتحمل فشل هؤلاء وغباء أولئك؟ وفى النهاية تريدون بيع الهواء والشمس فى أزايز، تريدون منا أن نشترى الترام البرلمانى بتزييف الوعى الجمعى المصرى من خلال حفلة البورنو السياسى الجماعى العفنة، تريدون تحويل شاشات المفروض أنها محترمة إلى سرادقات أفراح وضرب نار للعريس وزفة كلاكسات فضائية للنائب!! تجوع القنوات ولا تأكل بشاشاتها!