أرسل لى أحد المنتقدين لسلسلة مقالاتى التى تجيب عن سؤال: هل الدين علم.. وهل البخارى science ؟ ما اعتقد هو أنه مفحم، وفيه فصل المقال وحسم النقاش؟ قال لى بشماتة: إذا كنت تعترض على الأحاديث التى تتناول الطب فى البخارى، وتقول إن فيها ما يتناقض مع العلم الحديث، فسأقدم لك أبحاثاً تثبت ضعف حجتك، انظر إلى واحد من الأحاديث التى تعترضون على مدى مطابقتها للعلم الحديث وهو «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ فِى ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ»، رواه البخارى فى «صحيحه» (رقم/5445) ومسلم فى «صحيحه» (رقم/2047)، وقال ها هى الدكتورة أروى عبدالرحمن أحمد من قسم علوم الحياة، كلية العلوم، جامعة صنعاء تقدم بحثاً بعنوان: «إعجاز التمر فى الشفاء والوقاية من الميكروبات الضارة والممرضة»، فلما سألته: أين قدمته؟ كان الرد فى بحوث المؤتمر العالمى العاشر لأبحاث الإعجاز العلمى! للأسف هناك خلط وعدم فهم لماهية البحث العلمى ولشروط قبوله فى مجتمع العلماء اللى بجد طبعاً، فالمؤتمرات العلمية التى تقدم لها الأبحاث الطبية التى لها مصداقية هى مؤتمرات معروفة ومحددة بالاسم، ليس من بينها مؤتمرات الإعجاز العلمى، ولا ينفع أن أقول إننى حضرت مؤتمراً نسقته، ورتبت له الشركة الفلانية فى الغردقة، وقدمت فيه الأبحاث العلانية، ولمجرد أن خواجه عيناه زرقاوان حضره أطلق عليه فوراً مؤتمراً عالمياً!! وكذلك المجلات التى تنشر فيها الأبحاث لابد أن تكون من المجلات العلمية العالمية المحكمة، وهذه أيضاً لها شروط صارمة سنتحدث عنها فى مناسبة أخرى. لكن المهم فى مسألة مؤتمرات الإعجاز العلمى والقول المتكرر بأن فيها إيه لما نجرى أبحاثاً على أهمية البلح فى علاج التسمم أو دراسة فوائد غمس جناح الذبابة أو إثبات أن التثاؤب من الشيطان... إلخ، المهم فى هذا الكلام الذى ينطلى على البعض، ويقال عنه علم أنه يهدر معنى الملاحظة العلمية وقواعدها، فما يحدث للأسف فى جامعات المفروض أنها جامعات علم أنها تبدأ بالعكس، يعيش أساتذتها فى وسواس تخريج العلم من النص المقدس. هذا الكلام مع احترامى لحسن نية فاعله لا تنطبق عليه شروط المنهج العلمى الذى بدايته ومحطته الأولى الملاحظة. ما نراه، ونلاحظه فى الواقع هو ميدان الملاحظة العلمية، وليس ما نقرؤه فى الكتب الدينية، فإدوارد جينر لاحظ أن حالبات الأبقار لا يُصبن بالجدرى! فبدأ بحثه حول تطعيم الجدرى، من خلال معرفة السبب فى حصانة هذه السيدات ضد المرض، هذه تسمى ملاحظة علمية، وتنطبق عليها الشروط العلمية. عندما لاحظ العلماء أن القبائل التى تتناول لحاء شجر الصفصاف تخف آلامها، وتسكن أوجاعها، بدأ البحث على هذا اللحاء، واكتشفنا الساليسلات أو الأسبرين، هذه أيضاً ملاحظة علمية. فيلمنج عندما لاحظ تأثير العفن على البكتيريا كان اكتشاف البنسيلين... إلخ. كل هذه ملاحظات علمية تبدأ من مشاهدات الواقع، أما أن أفتعل الملاحظة، وأخترعها دون وجود لها فى الواقع، فهذا عبث علمى إن جاز التعبير، فمن هو الذى لاحظ أن التمر والسبع تمرات بالذات تشفى من لدغة الثعبان أو من السم؟! هذا مجرد قول فى كتاب من كتب الأحاديث مع كامل الاحترام، لكنه لا ينتمى إلى عالم الملاحظات العلمية، إذن ليس علماً أن أكلف طبيباً بالبحث فى هذا المجال، وأجرى تجارب على التمر، وأحقن الناس بالسم، ثم أتابعهم، هل تحسنت حالتهم أم لا؟! هنا أكون قد ضحيت بحياة هؤلاء، وغامرت بهم فى تجربة لا تستند إلى ملاحظة علمية على أرض الواقع. سيقول لك البعض هؤلاء دول ناس نيتهم خير، ويريدون تثبيت إيمان الناس، ونقول لهؤلاء: العلم ليس بالنيات، ولكن بالملاحظات، والفروض، والتجارب، والمشاهدات والتفنيد، والأديان لا تحتاج إلى قناعات من خلال الطب، ولا تثبتها فى القلوب تجارب ومعادلات الفيزياء والكيمياء، لذلك مقارنة معارف الدين من فقه وأحاديث بالعلم التجريبى مقارنة ليست فى محلها على الإطلاق، وإلا لو كنت مصراً أيها الصديق الشيخ الداعية العزيز على لفظ وصفة عالم، أرجوك أحضر ثعبان كوبرا غير منزوع الأنياب، واجعله يلدغك فى الرقبة، أو تناول سم الأكونتين وضع بجانبك طبقاً به سبع تمرات من تمر السعودية، وتناولها بنية خالصة وإيمان عميق، وكرر التجربة عدة مرات.. إن صادفك الحظ، وعشت، هنا يحق لك وبامتياز أن تتحدى الدنيا بلقب عالم، وتنافس على نوبل، بل ننتخبك رئيساً لمنظمة الصحة العالمية!.