الصوم مفيد للسكر والقلب والكلى والمخ والنخاع الشوكى... إلخ، أيام قليلة وسيحل رمضان ضيفاً علينا، كل عام وأنتم بخير، ويحل معه الأطباء ضيوفاً على الفضائيات متحدثين عن فوائد رمضان الصحية فى مولد علمى، فيه من أذكار الدروشة أكثر مما فيه من مصطلحات الطب!!، أتمنى أن نعرف شيئاً واحداً ونتأكد منه أن المسلمين يصومون رمضان لأنه فريضة دينية وطقس إسلامى، من الآخر وبكل صراحة نحن نصوم لأن ربنا أمرنا بالصوم وليس لأن الصوم له فوائد صحية، فنحن نعرف أن الصوم تعب ومشقة والمسلمون راضون وقابلون وسعداء لِبَثّ قيم التراحم والتكافل فى المجتمع، ومحاولة استغلال شهر رمضان سبوبة ومولداً لكى يتحدث الأطباء فى جميع التخصصات عن فوائد الصيام الصحية، أعتقد أن فيه مبالغة شديدة، فضلاً عن ابتعاده عن المنهج العلمى ومجافاته الحقيقة فى بعض الأحيان، لأنه لو كان يمتلك كل هذه الفوائد الصحية لأمرنا الله به طوال العام بدلاً من اقتصاره على مجرد شهر. أعرف أن الحديث فى هذا الموضوع خوض فى حقل ألغام مشتعل، ولكن ما جعلنى أتصدى للكتابة عنه هو ما أقرؤه وأسمعه من الأطباء فى الفضائيات قبل رمضان وأثناء الشهر الكريم عن أن الصيام يعالج الروماتويد والسرطان والكبد والعجز الجنسى... إلخ، وقد كنت أقرأ منذ قليل ما أدهشنى، لأنه فى صميم تخصصى، على لسان طبيبة عن أن الصوم يشفى جميع الأمراض الجلدية حتى الصدفية!، هكذا وصل التعميم وإطلاق الأحكام والنتائج غير المدروسة، تصريح انتهازى تدغدغ به مشاعر البسطاء وتلعب على عمق تديّن المصريين، ولكن ما يهمنى عندما يصدر هذا الكلام عن طبيبة تفكر بمنهج علمى هو مدى صحة هذا الكلام من الناحية العلمية، هل يشفى الصوم مرض التينيا؟ وما علاقته بمقتل الفطريات؟! هل يشفى الصوم مرض الجرب مثلاً؟، وكيف يقضى على مسبب المرض الذى يحفر أنفاقاً تحت الجلد؟!، ما هو الأقوى فى علاج الدمامل: أن أصوم، أم أن أتناول مضاداً حيوياً؟، ما علاقة الصوم بالبهاق؟!... إلخ، إنه تصريح يهين العلم ويهين الدين، وتصبح معه الطبيبة مثل الدبة التى قتلت صاحبها من حيث لا تدرى أنها بهذا التصريح تُدخِل الدين فى معركة لم يطلبها ولم يسع إليها. أعرف أن هناك أطباء على أعلى مستوى علمى يضعفون أمام هذه النقطة، ويضحون بكل مراجعهم العلمية فى سبيل مسايرة ونفاق الجماهير، بغض النظر عن دورهم فى نشر الحقيقة العلمية حتى ولو كانت صادمة، وسيسألنى قارئ سؤالاً هجومياً عندما سيقرأ هذا الكلام، ومعه الحق فى هجومه وغضبه، لأنه منذ طفولته وهو يسمع كلام هؤلاء الأطباء فى التليفزيون وفى الاتجاه نفسه، سيسألنى «إيه اللى مضايقك فى تصريح طبيب مسلم فخور بدينه بأن الصوم كله فوائد صحية ويعالج الأمراض؟!»، وبالطبع سينطلق سيل الاتهامات المحفوظة المرصوصة من كفر وعلمانية... إلخ، وسألخص ردى فى نقاط سريعة. أولاً: الصيام موجود فى مِلل وعقائد وحضارات أخرى وبصور متعددة، ولذلك فهو ليس اختراعاً له خصوصية إسلامية إلا فى الشكل فقط. ثانياً: إذا دخلنا فى الفوائد الصحية لكل طقس أو سلوك فسيخرج علينا هندوسى أو بوذى مثلاً ويقارن بين الصيام واليوجا أو بين الصيام والكونغ فو!!. ثالثاً: الجميع يقارن بين الصيام وشراهة الأكل, ولكن ماذا لو قارنا بين الصيام والاعتدال فى الأكل أو بينه وبين الريجيم الطبى المنظم الذى يسمح بكل الأكلات ولكن بحساب علمى دقيق، هل ساعتها سنستبدل الصيام بالريجيم ونجعله فريضة دينية؟! رابعاً: لماذا نُقحم فريضة دينية فى جدل علمى ونجعل مقياسها الفوائد الطبية، فيخرج علينا من يتحدث عن الأثر الضار لنقص المياه على الكلى أو على لزوجة الدم أو عن الخمول وقلة النشاط فى رمضان بسبب نقص الجلوكوز، وتحدث معركة وتلاسن، الخاسر فيها هو الدين الذى لم يتسول من أحد الدفاع عنه من خلال ما يسمى الإعجاز الطبى للصيام، فالرب نفسه عز وجل قال صراحة بأن الصيام مجهد وفيه مشقة وسمح للمرضى بالإفطار. لا تزايدوا على الله ولا تبالغوا ولا تنافقوا استرضاءً لتصفيق وجماهيرية زائفة، فالدين لا يحتاج إلى غطاء طبى لحمايته، فهو قادر على حماية نفسه بشرط أن يبتعد المنافقون.