بعدما كتبت تعليقاً على ما كتبه د. محمد عمارة عن طه حسين، ومنها هجومه على سوزان زوجته، وصلتنى تعليقات كثيرة، من أهمها رسالة من الأستاذ عبدالحميد الجندى يعاتبنى فيها على أننى لم أوضح أن طه حسين سافر إلى فرنسا وهو قامة عظيمة لم تصنعها سوزان، بل ساهمت فى الحفاظ على هذه القيمة والقامة، وجهة نظر الجندى أن فرنسا لم تصنع طه حسين على عكس معظم آراء المثقفين، وجهة نظر أحترمها يقول صاحبها فى رسالته ويعدد النقاط التى تؤيدها: 1ـ درس طه حسين ست سنوات بالأزهر (1902ـ 1908)، ثم التحق بالجامعة المصرية لمدة ست سنوات أخرى (1908ـ 1914)، استمع أثناءها إلى دروس ومحاضرات المستشرقين فى العلوم التاريخية والاجتماعية واللغوية، وكان نبوغه فى هذه العلوم داعيا لتعلق أساتذته من المستشرقين به، فكانوا يلتقون به خارج أسوار الجامعة للبحث والنقاش، واستمرت علاقته معهم طوال حياته الفكرية وظل يذكر فى كتبه تأثره بماسينيه وجويدى وليتمان وغيرهم من الذين كانوا يدرسون له فى الجامعة. 2ـ كان طه حسين منذ عام 1908 حتى عام 1914 يكتب فى كثير من الصحف المصرية، مثل «الجريدة» و«العلم» و«الهداية» و«الشعب» و«مصر الفتاة» و«السفور» وغيرها، وقد حقق شهرة واسعة فى عالم الكتابة كأديب وناقد وثارت معارك فكرية عديدة بينه وبين كبار الأدباء فى عصره كالمنفلوطى والرافعى وهيكل وحافظ إبراهيم ورشيد رضا وعبدالرحمن شكرى وغيرهم. وشكلت مقالاته فى هذه الفترة مادة ضخمة من الموضوعات المتعددة التى كتبها عن المرأة والجامعة والسياسة والدستور وقضايا الشرق والغرب والتقليد والحداثة، بالإضافة إلى المقالات الاجتماعية والبحوث الأدبية. وقد قامت دار الكتب بجمع هذه المقالات فى عدة مجلدات ضخمة صدرت بعنوان «تراث طه حسين». 3ـ كان طه حسين فى الفترة منذ عام 1908 حتى 1914 دائم التردد على مكتب الجريدة التى يرأسها لطفى السيد فنشأت بينهما صداقة متينة، وكان طه حسين يلتقى فى مكتب الجريدة بالنخبة المصرية من باشوات مصر وعلمائها ومثقفيها، حيث كان لطفى السيد يلقى محاضرات فى السياسة والاجتماع، ويرشد شباب الأدباء إلى أهم الكتب التى يجب أن يقرأوها، فكان مكتب الجريدة- كما وصفه طه حسين فى «الأيام»- جامعة قبل أن تنشأ الجامعة. 4- لطه حسين ديوان شعر متفرق فى الصحف، كتبه فى هذه الفترة من (1908ـ 1914)، وقد جمعه الأستاذ إبراهيم كيلانى فى كتاب بعنوان «طه حسين الشاعر والكاتب»، وكان الأستاذ عبدالعزيز جاويش- الشخصية المرموقة فى الحزب الوطنى- يقدم طه حسين ليلقى الشعر فى المناسبات الكبرى شأن حافظ وشوقى. 5ـ حصل طه حسين على الدكتوراه من الجامعة المصرية عام 1914 (قبل سفره إلى فرنسا ومعرفته بسوزان)، وكان أول طالب يحصل على هذه الدرجة، وطلب الخديو وقتها مقابلته ونُشرت صور اللقاء فى الصحف، ثم عُين طه حسين بعدها أستاذا للأدب العربى بالجامعة المصرية بمكافأة خمسة جنيهات شهرياً كما جاء فى «الأيام». 6- نُشر له كتاب عام 1915 (قبل معرفته بسوزان) عنوانه «تجديد ذكرى أبى العلاء»، وكان لهذا الكتاب أثر فى تغيير مناهج البحث الأدبى فى جامعات مصر، كما ذكر ذلك الدكتور شوقى ضيف، وظهرت فيه مناهج النقد الأوروبية التى أدخلها طه حسين على آدابنا العربية. 7- وعلى ذكر ما حققه طه حسين فى الفترة التى سبقت معرفته بسوزان فقد كتب الدكتور عبدالرشيد محمودى كتابا بعنوان «طه حسين والبدايات الأولى»، تحدث فيه عن هذه الفترة المهمة من حياته (1908- 1914) وعن إهمال المثقفين العرب لها، وقام بدراسة إنتاجه الفكرى فيها، وكان للدكتور عبدالرشيد محمودى دور مهم فى التنبيه على تراث طه حسين فى هذه الفترة قبل أن تقوم دار الكتب بطبعه، كما أشرت من قبل. وهكذا يتضح أن طه حسين (قبل أن يعرف سوزان) كان صحفيا مشهورا، وأديبا معروفا، وشاعرا، وحاصلاً على الدكتوراه، وأستاذاً بالجامعة المصرية، كما كان على صلة بأهل العلم والأدب فى عصره، وبأهل المكانة والنفوذ والثراء بمكتب الجريدة.