هل شاهد أحدكم فنون الإبداع الداعشى أمس؟، إنه إبداع الموت، التفنن فى الإعدام، لقد قدم لنا تنظيم داعش الذى يضم مجموعة من السيكوباتيين مجموعة فيديوهات إيمانية، لكى تنسينا دراما رمضان الفاسقة الفاجرة، طريقة الإعدام الأولى هى إلقاء الشخص من ارتفاع شاهق لاتهامه بالمثلية الجنسية، والثانية صلب طفل صغير جاهر بالإفطار، والثالثة إعدام بتفجير سيارة وبداخلها المتهمون، والرابعة ربط أعناق المتهمين بسلك كهربائى موصّل بمفجر، وما إن يضغط على الزر حتى تتطاير شظايا الرقاب والأشلاء فى منظر داعشى مبهج بديل عن أضواء عيد الميلاد الصليبية الكافرة!!، طريقة الإعدام الخامسة هى الموت إغراقاً فى قفص حديدى محكم يهبط رويداً رويداً فى البحر!!، ما هذا الإبداع والابتكار والفن الراقى يا أبناء داعش الطيبين المؤمنين؟!، لكنى بالرغم من كل هذا أطمئنكم لن ينتصر داعش أبداً، لماذا؟، لأن التاريخ يؤكد ذلك، وسأحكى لكم من خلال زيارة عابرة إلى هولندا، كيف يخبركم التاريخ بأن الحرية والعقل والعلم والبهجة والحياة حتماً ستنتصر مهما كانت صنوف التعذيب والهمجية والوحشية التى حدث مثلها فى أوروبا قبل انتصار النهضة والعلمانية والعقل. عندما تزور أمستردام، مدينة التيوليب وفان جوخ ورمبرانت والحى الأحمر، لابد أن تزور متحفاً مهجوراً اسمه متحف التعذيب! اكتشفته بالصدفة البحتة؛ فقد كان ملاصقاً للفندق، ورغم اسمه المقبض الكئيب وهيئته المظلمة التى تشبه القبو والقبر، جذبنى الفضول وقررت زيارته، ولم أندم، لأنه بالفعل متحف مهم، تكتشف فيه أن تاريخ الأوطان هو تاريخ الحرية، وأيضاً تاريخ كبت الحرية، كيف أشعل رواد الفكر والثقافة والتمرد قناديل التنوير والحرية؟ وأيضاً كيف تعرض هؤلاء إلى شتى أصناف التعذيب والقهر؟ كلما صعدت سلماً أو دخلت غرفة من غرف المتحف خافتة الإضاءة صدمتك آلة تعذيب جديدة تفنن مخترعها فى تشكيلها ونحتها، بحيث تذل أكثر وتعذب أكثر وتقهر أكثر، آلات تعذيب بشعة لا تخطر لك على بال، وأجهزة إعدام كارثية فوق التصور، وأدوات إجبار على الاعتراف تتعدى حدود الخيال، على سبيل المثال شوكة لها طرفان مدببان، الأول يوضع أسفل الذقن والآخر على عظمة القص بحيث تخترق لحمك لدى أى حركة بسيطة، طوق حديدى خانق ضاغط على الحنجرة، كرسى حديدى ملىء بالمسامير يُربط إليه السجين، تمثال حديدى يوضع فيه المعتقل، سرير معلق فيه تروس من كل ناحية لكى تفصل المتهم إلى قسمين وتبعثر أشلاءه، براميل مخصوصة للإغراق البطىء، إلى جوار البلطة والمشنقة والمقصلة... إلى آخر هذه التحف التعذيبية الدموية!. السؤال الذى فكرت فيه بعد نهاية هذه الرحلة المرعبة فى بيت الأشباح القابع وسط الجمال الهولندى هو: هل كل هذه الشراسة وفنون التعذيب وقسوته استطاعت كبت صوت الحرية واغتيالها؟ بالطبع لا، انتصرت الحرية بالرغم من كل هذا المهرجان الوحشى لفنون التعذيب، تغلب الحب على الكراهية، انتصر الأكسجين على كل الغازات السامة الخانقة الكابتة المانعة القامعة، طارت أوروبا بأجنحة الحرية بعد عصر التنوير، وحلقت فى سماء الحرية، وطرحت كل الأسئلة بجسارة وشجاعة على جميع الأصعدة والمجالات.. وكما أبحر ماجلان وكولومبوس فى محيطات وبحار العالم لاكتشاف حدود الكون، أبحر فيساليوس فى جسد الإنسان وأرسى دعائم علم التشريح، وأبحر جاليليو فى السماء وزلزل الأرض من تحت أقدام الكهنة، وقال إنها تدور كما زلزل داروين خرافات وأساطير وأوهام أن الكون عمره خمسة آلاف عام، ومنح العقل البشرى نظرية التطور التى قلبت كل مفاهيم علم البيولوجى، بإبحاره فى سفينة البيجل عبر الجزر والمحيطات!. أحرق القس برونو، وسجن جاليليو حتى أصابه العمى، وأعدم لافوازييه، وتم تكفير داروين، لكن فى النهاية انتصرت الحرية على الكبت، وانتصر العلم على الجهل، وانتصرت علامات الاستفهام على إجابات الإذعان والتسليم، انتصر نور الصباح المشرق على ستائر الليل الكثيفة، لم تفلح كل آلات التعذيب الجهنمية التى شاهدت بعضاً منها فى كبت صوت الحرية التى تعض عليها أوروبا بالنواجذ الآن، لأنها دفعت دماء كثيرة فى سبيل الحصول عليها، ولذلك لا تسمح لأحد بسرقتها، وتنزعج جداً من أن يحاول مهاجر إليها ممن يريدون نقل كهوف الجهل وأحراش التخلف والكبت إلى حيث حدائق الحرية الغناء هناك، ولهم الحق كل الحق، فعلى من لا تعجبه حريتهم أن يظل قابعاً فى بلده، حيث نعيم ظلال الزيزفون الداعشية!.