فى نفس الوقت الذى كان رئيس الوزراء مجتمعاً بمحافظ دمياط لبحث إنشاء مدينة دمياط للأثاث، كان الشارع الدمياطى يغلى من ظاهرة جرائم القتل، خاصة قتل الأطفال، الذى جعل دمياط تحتل مانشيتات صفحات الحوادث طوال الأسبوع الماضى!!، فى أسبوع واحد مذبحة جماعية بالرشاشات فى قريتى عزبة البط والتل نتيجة مشاجرة على خلفية ملاسنات وخوض فى سمعة سيدات على صفحة فيسبوك فى منطقة محرومة من الصرف الصحى أصلاً ومعدومة الخدمات، لكنها ويا للعجب أساس خلافها فيسبوك!!، ثم بعدها فى قرية ميت الخولى عبدالله والتى أنجبت عملاق الفلسفة زكى نجيب محمود نجد أباً يحرض طفله البالغ من العمر 6 سنوات أن يحرق جارته الطفلة شاهندة التى كانت تجهز نفسها للذهاب لاستوديو التصوير لالتقاط صورة الالتحاق بأولى ابتدائى، تموت شاهندة حرقاً ليحترق قلب أمها وأبيها وهما لا يعرفان ما ذنبها لكى تموت بهذه الطريقة الوحشية العبثية البشعة، ثم فى نهاية الأسبوع يأتى الزلزال الكارثة وثالثة الأسافى والدواهى والكوارث، طفل مذبوح بيد مراهق وفروة رأسه مسلوخة نتيجة غيرة وخلاف بين أم هذا وذاك!!، هل ناقشت يا مهندس محلب تلك الكوارث مع محافظ دمياط؟! هل طرحت عليه وعلى نفسك سؤالاً حول ماذا حدث للدمياطى؟! ماذا حدث لمعشوقتى وبلد أبى وأمى وجدودى دمياط ؟! لم يعد يمر أسبوع إلا وسيرة القتل والذبح هى السيرة الشعبية على كل لسان دمياطى، صارت رائحة الدم هى عطر عروس الدلتا، صار هذا حال معشوقتى الآن، دمياط التى كانت تمر السنون بدون جريمة قتل واحدة، شعب شغال منتج لا يعرف الكسل فلماذا كان سيوجد القتل ولماذا ستنتشر السرقة؟! فالبطالة هى الثغرة التى تتسلل منها عقارب الجريمة، ودمياط لم تكن تعرف البطالة، الآن وللأسف الشديد عرفت كوكتيل الشيطان الثلاثى المركز، بطالة ومخدرات وتطرف دينى، الدمايطة الذين كان آخر منتهى وطموح شقاوة الندرة النادرة منهم، والتى تعد على أصابع اليد، هى مجرد نفس حشيش من جوزة فى مكان مستخبى عن العيون التى ستلسعه كالكرابيج حين ينكشف أمره، كان الرائح والغادى يتندر على هؤلاء ويسخر منهم، الآن أصبحت الغرز علنية والمخدرات على عينك يا تاجر، دمياط بلد البهجة والمرح ومصيف أم كلثوم كوكب الشرق والتابعى برنس الصحافة، حيث قعدة اللسان والجربى وسهرة الكورنيش وشارع 101، صارت هى منبع الإخوان وداعش والجهاديين، كتبت فى زمن مرسى عندما تظاهر صناع الأثاث فى دمياط محذراً، وقلت إن مظاهرات صناع الأثاث الدمايطة لها دلالة فى منتهى الخطورة، ليس لأن الدمايطة على رأسهم ريشة ولكن لأن الدمايطة عمرهم ما اشتكوا من بطالة كما ذكرت، فأن يأتى زمن ليخرج الدمياطى فى مظاهرة عشان لقمة عيشه فهذه كارثة، معرفتى الوثيقة بالدمايطة تؤكد أنهم شعب لا يعرف كلمة كسل، الموظف الدمياطى بعد ميعاد الانصراف من الممكن وبدون أدنى خجل لا يستنكف أن يذهب إلى الورشة ليعمل «استورجى» أو «نجار» ولا يمد يده لقريب أو جار مادامت صحته جيدة، حتى التلميذ فى ابتدائى وإعدادى بيشتغل فى الورش وبيساعد أسرته، وفى الصيف ممكن يذهب إلى رأس البر للعمل على الشاطئ فى تأجير الشماسى، صياد عزبة البرج نسخة خاصة ومنقحة ومتميزة من الصيادين، حتى ساندوتش الفول والطعمية الدمياطى والبط الدمياطى والصيادية الدمياطى والجبنة الدمياطى عليهم علامة الجودة و«الأيزو» الذى لا يتكرر، خلية نحل ليلاً ونهاراً جعلت هذه المحافظة يابان مصر ونموذجها الذى يجب أن يُحتذى، كانت صناعة الجلود والأحذية فى دمياط صناعة اجتذبت الكثير من الدمايطة، لكنها ماتت منذ فترة، ولكن مازالت صناعة الألبان والحلويات الدمياطية التى لا تنافس موجودة ونابضة بالحياة، أما صناعة الأثاث الدمياطى فيكتب فيها مجلدات لا تستطيع إلا أن تفخر بهؤلاء العمال المهرة التى صقلت السنون خبراتهم فجعلتهم كنزاً لا ينضب، تخصصات مختلفة تحتار من تنوعها: النجار والاستورجى والأويمجى الفنان والذى ينحت كأنه مايكل أنجلو، والمدهباتى والمارتكليه، كما ينطقها الدمايطة، والمنجد ونجار الأنتريه ونجار الصالون ورصاص عربيات الموبيليا- بتشديد الصاد وفتح الراء- الذى يتفنن فى رص هذا الكم من الخشب بمنتهى الإتقان والفن... إلخ، كل منها تخصص وكأنه علم الطب لا يجور فيه تخصص على آخر، كيف يأتى اليوم الذى تموت فيه صناعة الأثاث الدمياط ى بفعل الجشع والعشوائية وعدم التخطيط وعدم حماية الصناعة الوطنية؟ لا يمكن أن تموت هذه الصناعة التى صمدت حتى فى عز الهزيمة، وحتى فى زمن وقف التصدير إلى روسيا الذى كانت تعتمد عليه دمياط فى زمن حرب الاستنزاف بصورة كبيرة، هناك حيتان من تجار دمياط الكبار لا يجب القياس عليهم، يمصون دم عمال الورش الصغيرة، لكن معظم النجارين الصغار وأصحاب الورش المتوسطة يصرخون من أسعار الأخشاب والخامات المبالغ فيها، التى جعلت منافسة المستورد الصينى مستحيلة، الدمياطى الذى تنزعه من ورشته أنت تقتله بالبطىء!، الدمياطى الذى تحرمه من رائحة الخشب والنشارة والجومالاكا أنت تحكم عليه بالإعدام حسرة وكمداً، أنا لا أتهم البطالة وحدها كسبب رئيسى لما حدث ويحدث فى دمياط من جرائم وتآلف وتصالح مع الدم، لكنى لابد أن أطرح السؤال عن ماذا حدث لبلد الجمال والفن حتى صارت الجريمة نشيدها الوطنى والقتل سلامها الجمهورى؟!.