عندما تحدث جريمة زنى فى مصر ويضبط الزوج زوجته متلبسة ويقتلها يهب المجتمع عن بكرة أبيه مدافعاً عنه ومطالباً بالحكم المخفف لأن الذكر أعصابه لاتتحمل ولابد أن يكون الحكم مراعياً لترمومتر رجولته، أما عندما تقتل الزوجة زوجها بعد ضبطه متلبساً فالإعدام حتماً سينتظرها وسيطالب المجتمع أن يكون فى ميدان عام لأنها قتلت زوجها الذى هو ظلها وظهرها وجدارها الذى تستند إليه والذى دفع مهرها لقاء الاستمتاع بها ووطئها ونكاحها وعليها أن تغفر له زلاته العابرة!، وعندما يحدث تحرش أو هتك عرض ينبرى المجتمع مديناً البنت بجملته الخالدة «ايه اللى وداها هناك » و«ايه اللى لبسها كده»، ثم يعقب ذكور البلد وفحولها «ماهى لو كل بنت لمت نفسها ورحمت الرجالة المعذورين المكبوتين واللى بيعانوا من هورموناتهم اللى بتنقح عليهم ماكانش حصل اللى حصل»!!، وكأن الهورمونات اختراع ذكورى خالص متخصص، وكأنهم لايعرفون أنهم بمثل هذه المفاهيم يهينون الرجل الذى يصورونه مثل الثور الهائج فى الشوارع الذى لايستطيع التحكم فى نفسه إذا رأى ساقاً أو خصلة شعر أو حتى كعب قدم أو حلمة أذن!!، وعندما يرفض ممثل مشهور إجراء تحليل الـ«دى إن إيه» فى قضية إثبات النسب التى رفعتها عليه ممثلة مشهورة، يقف المجتمع الجلاد بسوطه المغموس فى الزيت والسم وصوته المنحاز دائماً للذكر الفحل المغوار، يجلد المرأة التى تجرأت وفضحت نفسها ورفعت قضية لإثبات النسب ويطبطب على الرجل الذى تهرب وراوغ وعمل العملة وبعدها قال لا أستطيع الزواج ممن منحتنى نفسها عرفياً فهى قد رخصت نفسها وأنا لا أتزوج من رخيصة!!، لو كبّرنا هذه اللقطة وجعلناها مشهداً مصرياً عاماً وابتعدنا عن طرح سؤال من هو المخطئ فيه، وهل الزواج العرفى حلال أم حرام... إلخ، لو حاولنا تحليل هذا المشهد بعيداً عن كل تلك المؤثرات والمشوشات على تفاصيله الأكثر أهمية، سنجد أنها حيلة ذكورية بامتياز يشجعه عليها ويصفق له على سبيل المكافأة والجائزة مجتمع يعتبر تصرفه الملاوع شطارة ورفضه لتحليل الـ«دى إن إيه» كرامة، بل ويعتبرون علاقته السرية نفسها دليل فحولة، مما يذكّرنا بقضية احتفاء البرلمان بعضو الحزب السلفى الذى تم ضبطه على الطريق الزراعى فى وضع مخل واستقباله من زملائه استقبال الفاتحين الغزاة!!،هذه الحيلة الهروبية يراهن فيها بطل القصة الذكر على قيم المجتمع الذكورى الداعم- بالميم وليس الراء- والذى يسمى فعلته نزوة عزّاب وشقاوة شباب تستحق مجرد قرصة ودن وابتسامة حسد، فى نفس الوقت الذى يعتبر فيه فعلتها علاقة آثمة وجريمة زنى تستحق عليها الإعدام والجلد والتجريس والفضح، بل وقتل الأطفال ثمرة العلاقة إن أمكن. يصل اللوع أقصاه حين يطلب أن يجرى التحليل فى الخارج وكأنها نزهة ويك إند!!. القضية ليست قضية شخصية وليست قضية مشاهير، إنها قضية عامة تعكس منهج تفكير، لكن شهرة أبطال القصة هى التى سلطت عليها الضوء، وطريقة الحيل القانونية هى التى جذبت الأنظار، كما جذبتها من قبل فى قضية مشابهة حين ذهب الممثل الشاب لأحد الدعاة فقال له: عليك ببعض الإبل والنوق العصافير لكى تعوض هذه الفتاة التى أنجبت لك بنتاً تطاردك وتسمم حياتك، استخدم الممثل الشاب وقتها الحيل الإعلامية وضغوط الفضائيات وتزييف وعى الناس من خلال بعض الأصدقاء من مقدمى البرامج، لكن الوضع كان مختلفاً وأُجبر الممثل الشاب على القبول بتحليل الـ«دى إن إيه» أو بالأصح الاعتراف بابنته خوفاً من إجراء التحليل وقوة شكيمة الخصم لعدة أسباب، أولها وقوف والد ووالدة الفتاة فى ظهرها داعمين لها غير عابئين بالهجوم الكاسح من الشارع واتهامهم بأقذع وأفحش الأوصاف، كانا على قدر مذهل من الإصرار وجسارة المواجهة بحكم أنهما مثقفان ومتفتحان ومستنيران بجد وليس قشرة وزيفاً، ثانى أسباب انتصار الفتاة وقتها أن الجو العام كان مساعداً، فقد كان فيه للمجلس القومى للمرأة دور قوى ومؤثر بحكم دعم قرينة الرئيس حينذاك ونحن نعرف أنه لا شىء يسير فى مصر إلا إذا كان بدعم رئاسى!! انتصرت المرأة فى معركة الـ«دى إن إيه» السابقة واعترف الممثل الشاب وقتها تحت الضغوط، وستخسر الممثلة الشابة فى المعركة الحالية ولن يعترف الممثل الشاب برغم الحكم القضائى ضده ولصالحها وذلك لاختلاف الظروف وسيادة وتغول وتوغل المزاج السلفى فى تلافيف المخ المصرى، وأيضاً لأن بطلة القصة هذه المرة ممثلة، ونحن نعرف أن الممثلة فى مصر سمعة مستباحة لأى عابر سبيل يلوكها وهو يعرف عدوانية وتربص وتشفى المجتمع المريض تجاهها، ذلك المجتمع مزدوج المعايير مهووس الفكر سقيم الوجدان الذى يحلم بهن سراً ويسبهن علناً!! إنه مجتمع يقيم تمثالاً للرجل تمجيداً لعلاقاته السرية ويرجم المرأة عندما تطالب بحقها فى إثبات نسب ثمرة هذه العلاقة، مجتمع يصفه بالفحولة بينما يصف نفس الفعل إذا صدر عنها بالغواية، مجتمع يقول له «برافو» ويقول لها «تستاهلى»، مجتمع يحدد قيمة الشرف بغشاء ويسعّر التدين طبقاً لبورصة الشكليات من ملبس وذقن وجهامة، مجتمع تلك هى معاييره هو مجتمع كذاب ومنافق لا ضمير له ولا مستقبل.