من يتخيل أنه بالأباتشى و16 ألفا فقط سنقضى على الإرهاب فهو يعيش وهماً كبيراً وخدعة ضخمة، فهذه الطائرات الرهيبة ستقضى بقذائفها الحارقة على بعض الإرهابيين، ولكنها لن تقضى على الإرهاب ولن تجتث جذوره، بالضبط كمن يتخيل أنه بالسوفالدى فقط سنقضى على فيروس سى ونحن نستقبل سنوياً من المرضى الجدد نتيجة عدم الوقاية السليمة ما يقرب من أضعاف أضعاف المتعافين!!، سنكون بالضبط كمن يتخيل أننا بالمسكنات سنعالج السرطان، ونتوهم أننا بمجرد كتم صوت ألم مريض السرطان قد عالجناه وشفيناه، إننا لو عشنا أسرى هذه الأوهام والأساطير فنحن نحرث فى البحر، فلابد أن نقاوم الإرهاب مثلما قاومنا فى مجال الطب البلهارسيا، وقضينا عليها بعد أن سكنت أكباد المصريين منذ زمن الفراعنة، فقد ظل الأطباء مقتنعين لفترة طويلة أو بالأصح مجبرين على استخدام حقن الطرطير المقىء لعلاج البلهارسيا، فكانت الحقنة تقتل المرض والمريض!!، كانت آثار هذه الحقن رهيبة على الجسم، وكان كل من يقف فى طابور المرضى المحقونين بالطرطير يعود إلى بيته محملاً بفيروس سى، ولو أفلت فلاح من مضاعفات الحقن وماتت دودة البلهارسيا التى تنهش كبده ومثانته، فإنه ينزل ثانية إلى الترعة التى بها قواقع العائل الوسيط ويبدأ دورة جهنمية أخرى!!، كيف كان الحل؟ وكيف صارت مصر وطناً خالياً من البلهارسيا بعد أن كانت وطنه الأول، وبعد أن كان المؤرخون من هيرودوت إلى ابن بطوطة والمقريزى يصدمون من رؤية رجال مصر يتبولون دماً، وكانوا يكتبون فى مذكراتهم «رأينا رجالاً فى مصر يحيضون كالنساء»!!؟، قضينا على البلهارسيا باستراتيجية العلاج الجذرى الجماعى الوقائى، أولاً: ألقينا بحقن الطرطير فى سلة القمامة، وأصبح العلاج مجرد أقراص يتناولها المريض بسهولة وسلاسة ويسر بالمجان من الوحدة الصحية، ثانياً: من خلال طرق الرى الحديثة والسد العالى لم يعد الفلاح مضطراً للغوص وغمر القدمين فى المياه الملوثة ولم تعد القواقع بنفس الكثافة والطبيعة السابقة فى الترع، ثالثاً: استراتيجية وقائية لتغيير ثقافة تجديد وإثراء منبع البلهارسيا من خلال حملة «ادى ضهرك للترعة»، التى كنا نسخر منها، رابعاً: منح الفلاح البدائل حتى لا تصبح الترعة بديلاً للمرحاض، المهم هو أننا نجحنا فى القضاء على البلهارسيا لأننا فعلنا ونفذنا كل تلك الخطوات متزامنة فى نفس الوقت، ولم ننتظر خطوة بعد خطوة. فليقرأ الرئيس السيسى ولتقرأ حكومة مصر كيف قضينا على هذا المرض العضال، وسيعرفون ما هو طريق الشفاء من مرض الإرهاب، العلاج ثقافى وأمنى، وقد تعمدت أن أذكر الثقافى قبل الأمنى، فأقراص علاج الإرهاب الأمنية هى مجرد خطوة رغم أهميتها القصوى، ولكن المنبع سيظل يفيض بتيار الإرهاب ونحن مشغولون بالمصب، سيظل مشتل الفكر التكفيرى تتكاثر بذوره بشكل سرطانى وأنت مسكون بوسواس فحص وفرز الثمار العفنة العطنة، أولاً: إدى ضهرك لترعة الفكر التكفيرى الذى ينفى الآخر، ولا تراهن عليه كما راهن السادات ومبارك من قبل، لابد من منع تلك التيارات من تشكيل أحزاب دينية ولا تنتظر حكماً قضائياً يبحث فى الشكليات، فمعك الدستور ومعك الشعب والناس الذين خرجوا فى 30 يونيو ضد خلط الدين بالسياسة وليس ضد الإخوان فقط، فمن جعلتهم يتصدرون مشهد 30 يونيو خلفك من السلفيين وكأنهم شركاء، كانت قواعدهم فى رابعة، وكانوا من قبل يحاصرون المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج، وكانوا من قبل دعاة ودهاة غزوة الصناديق المشؤومة، لابد من سد منبع فكر الإرهاب ورش الـ«دى دى تى» فى مشتل التكفير، فالمنابر مازال يحتل معظمها نفس الفكر، ومازالت مناهج الأزهر ومدارسه- للأسف- تضم إخوانجية ووهابيين ومكفرين، وتخرّج من بين صفوفها زعماء داعشيين، مازال الأزهر ينشئ ويبنى كليات طب وهندسة وتجارة، وهذا ليس دوره، فضلاً عن أنه غير دستورى ولا إنسانى أن أمنح فرصة التحاق بكليات مدنية وأقصرها على أتباع دين معين، ففى الجامعات المدنية الأخرى الكفاية، أما العائل الوسيط الذى يعيش فى القوقعة الحاضنة للإرهاب فلابد من محاربته هو الآخر، العائل الوسيط وسركاريا الإرهاب هو الكتاب التكفيرى والفضائية التكفيرية والمدرسة التكفيرية ومنهج التعليم التكفيرى والمدرس التكفيرى... إلخ، أما البديل الآمن لترعة التفكير التكفيرى المتخلف فهو العلم ومنهجه فى التفكير وحل الأمور. أخيراً، همسة فى أذن الرئيس السيسى: لابد أن تمنح المفكرين منديل الأمان لكى يجددوا الفكر الدينى إلى جانب المستنيرين من داخل الأزهر كما طلبت منهم، ترزية القوانين قد أرهبوهم بقانون ازدراء الأديان الفضفاض الذى يسمح لأى عابر سبيل أن يقدم بلاغاً، يجعل المفكر لقمة سائغة لأى بلطجى أو مأفون، المفكرون ليست مهمتهم ازدراء دين ولكنها إنقاذ دين، فمن يزدرى الدين هو من يقتل ويذبح ويفجر باسمه ويهتف الله أكبر وهو يجز الرقاب!، المفكرون يا سيادة الرئيس سلاحهم الفكر والقلم وليس الكلاشينكوف أو الـ«تى إن تى»، وعلى المختلفين والمعترضين أن يواجهوهم بالكلمة والقلم ولا يحصنوا أنفسهم بترسانة قوانين وغابة بلاغات تدل على أن اعتراضاتهم واعتقاداتهم هشة تحتاج إلى دعم من صديق قانونى مرعب يذبح القطة لكل من يتجرأ ويفكر خارج النص أو يغرد خارج السرب أو يشذ عن القطيع.