قصة اختراع مانعة الصواعق تلخص صراع رجال العلم مع رجال الدين، أو بالأصح صراع المنهج العلمى مع المنهج الأسطورى في التفكير، والذى كانت تتبناه كنيسة العصور الوسطى، القصة تثبت وتؤكد أنه لكى يلحق وطن بركب الحضارة عليه أن ينمى التفكير النقدى الإبداعى، ويكون جسوراً في طرح أسئلته ولا يخشى سطوة رجل دين أو تأثير كهنوت، ولو تأملنا فيها جيداً سنعرف أن مشكلتنا الآن في مصر ليست مشكلة ديمقراطية فقط، لكنها قبل ذلك وفى الأساس مشكلة عقلية، مشكلة في الفكر وفى منهج وأسلوب التناول مع الأفكار والرؤى، فمهما قدمت من تسهيلات ديمقراطية وتعامل شفاف وصناديق انتخاب نزيهة وقاض لكل صندوق وليس لكل لجنة، فكل ما ستفعله هو إجراءات ضمان نزاهة انتخابات، لكن المشكلة الحقيقية ليست في إجراء انتخابات صحيحة، ولكن المشكلة هي في تغيير تلك العقلية التي تذهب للانتخابات وهى مغيبة تحت سطوة رجال الدين بمفاهيم مشوهة، مثل مفاهيم التكفير، ونفى الآخر، وكراهية المرأة... إلى آخر تلك المفاهيم التي تفرغ الديمقراطية من معناها، وتجعلها شكلية فارغة المعنى والمضمون، ولنحكِ الآن قصة مانعة الصواعق لنعرف أكثر كيف تغلب العلم على الخرافة. لا يتصور أحد كيف حوربت «مانعة الصواعق»، وهوجم مخترعها بنيامين فرانكلين من رجال الدين وقت اختراعها في القرن الثامن عشر، كانت البيوت أغلبها خشبية في ذلك الوقت، وكانت صواعق البرق مدمرة، ولم يكن مفهوماً سبب البرق بالضبط، وكان التفسير الجاهز الغالب هو أن البرق غضب من الرب، وبما أنه غضب ربانى فالكنيسة إذن محصنة، ولم يستطع أحد أمام هذا التفسير أن يعترض، لدرجة أن سلطات فينيسيا قالت في بيان صادر 1767: «إنه من الفسق والكفر ادعاء أن الرب سيسمح للبرق بصعق إحدى الكنائس»، وعليها عمدوا إلى تخزين البارود في قبة إحدى الكنائس، وحدث أن ضرب البرق برج الكنيسة واختفت ضاحية بأكملها، وقتل الآلاف من المتمسكين بنظرية الغضب الإلهى في تفسير البرق!! ساد الظن حينذاك في فرنسا بأن أفضل وسيلة لتجنب الصواعق هي الصعود إلى برج الكنيسة ودق الأجراس، حتى إن بعض الأجراس كان منقوشاً عليه «أنا أبدد البرق»!! جاء بنيامين فرانكلين لينقذ أمريكا من احتراق بيوتها بالبرق المدمر، واخترع مانعة الصواعق التي تعتمد على فكرة أن البرق نوع من الكهرباء الساكنة، وأثبتها بتجربته الشهيرة من خلال طائرة شراعية صغيرة وهى ذات خيط معدنى موصل للكهرباء في عاصفة رعدية ثم وضع إصبعه قريباً من مفتاح موصول بالخيط المعدنى الذي يربط الطائرة الشراعية، وعند ذلك نشبت شرارة فيما بينها وكاد يموت، اخترع فرانكلين مانعة الصواعق وهى عبارة عن خيط معدنى يمتد من أعلى نقطة في المبنى إلى أسفله ومتصل بالأرض ماراً بجانب المبنى ليمنع تضرره من الصواعق بتسريبه للشحنة الكهربائية مباشرة إلى الأرض، ولكن رجال الكنيسة نعتوا فرانكلين بأبشع الأوصاف والتهم، واتهموا من يحرف اتجاه صاعقة البرق بأنه معترض على إرادة الرب ويرتكب أكبر الكبائر، ولكن في النهاية انتصر فرانكلين، فلم يأتِ عام 1782 حتى كانت جميع المبانى في فيلادلفيا قد ركبت مانعات للصواعق، لم يشذ عنها سوى مبنى السفارة الفرنسية الذي أصابته في ذلك العام صاعقة أتلفته وقتلت أحد الموظفين!!. أظن أن حال مصر فكرياً هو نفس حالة زمان فرانكلين الذي نتحدث عنه، والذى كان يسيطر فيه الكهنوت، لكن الفرق هو أن أي فرانكلين مصرى يخالف التيار ويغرد خارج القطيع والسرب له تهمة جاهزة معلبة، وهى ازدراء الدين وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة!!، ولتنزل الصواعق على الرؤوس ولتحرق البشر والزرع والنسل والوطن، لا يهم، الشىء الوحيد المهم هو أن يعيش الكهنوت وتعيش الوصاية وتنتفخ جيوب سماسرة البيزنس الدينى.