فى بلد يخرج الشباب فيه بعد رمضان، شهر الروحانيات الدينية وازدحام المساجد فى صلاة التراويح وفور انتهاء صلاة العيد فى الساحات، لكى يتحرشوا بالبنات وكأنك قد أطلقت نمراً جائعاً كنت قد حبسته فى سجن لمدة شهر كان يمثل فيه دور الأخلاقى وهو يتلظى شبقاً ويتضور جوعاً!!، لابد أن تتساءل: أين ذهب عقل ووجدان هذا البلد؟! وما هو الكود الأخلاقى الذى بات يحكمه؟ قادنى حظى العثر للتجول فى شوارع القاهرة طوال إجازة العيد، شوارع القاهرة التى كنت أعشقها وأتنفس عبقها الساحر خلال الإجازات التى يظهر فيها وجه المحروسة البديع الجذاب المتألق، صُدمت فى هذا الوجه القاهرى الذى كنت أتغزل فيه زمان، ظهرت بثور القيح وندوب القبح وصديد التدنى الأخلاقى، مصر التى لا يمل ولا يكل إعلامنا الميمون من تكرار وصف شعبها بأنه متدين بالفطرة، استيقظنا فى العيد لنجد كتلتها الحرجة بعدد لا يستهان به من الشباب الذى لا نكل ولا نمل أيضاً من تكرار أننا بلد ثلاثة أرباعه من الشباب، استيقظنا لنستمع إلى نشيدها القومى قد تحول إلى فحيح الشبق الوطنى، لتكتشف الحقيقة المُرّة، وهى أن الشاب يتحرش لا ليحصل على أو يقتنص شبق اللذة ولكن ليقتنص لذة إثبات التفوق على هذا اللحم البشرى المسمى أنثى، والذى أقنعه المجتمع وضخ فى روحه وعقله عبر مواسيره الثقافية والاجتماعية والدعوية أنها جارية مستباحة قد خُلقت لمتعته!!. ليست هذه مبالغة، فمع كل عيد أو مناسبة دينية تستدعى الاحتفال والخروج فى الشوارع، تجد المرأة هى الضحية والفريسة والقربان الذى يقدم على مذبح الشبق المكتوم للرجل الجاهل والشاب الجهول الذى يتحول فى الأعياد إلى ضبع رائحته النتنة تزكم الأنوف، تجد المانشيتات التى تدعى أنها تطمئن الشعب المصرى وهى فى الحقيقة تعرّى وتفضح طائفة ليست بالقليلة ممن تحولوا إلى حيوانات هائمة فى الشوارع، تحركها الغريزة، مطعمة ببعض المفاهيم الاجتماعية التى تحول المرأة إلى سلعة ودمية ومحرض على الفسق وسفير جهنم الذى يزين الخطايا للرجال المظلومين البريئين، الذين لا يستطيعون تحمل رؤية اللحم النسائى، مانشيت يقول: «الأمن يحاصر دور السينما والحدائق لمنع التحرش»، عنوان آخر: «المجلس القومى للمرأة يناشد الحكومة حماية الفتيات من التحرش»، توصية للبنات: «يجب عليكِ حمل المطواة فى حقيبتك والسلف دفنس فى جيبك»، تحذيرات على منابر الجوامع بضرورة ارتداء النقاب حتى تجهض المعاكسات، ويختمها الخطيب بمثال شهير عن ضرورة تغليف الحلوى حتى لا يتجمع حولها الذباب!!، هل يوجد مثل هذا الجو المعبأ المعبق بالرذيلة والخوف والرعب وعدم الأمان على كوكب الأرض مثلما يوجد فى مصر؟!، لا يوجد فى مجرّتنا أو فى الكون كله هذا الجو الحاشد لمقاومة التحرش، وكأننا ندخل على حرب عالمية مثلما يحدث فى مصر!، جو محموم من الكبت الجنسى والوقاحة والوضاعة والسفالة ينتشر فى ربوع مصر وشوارعها مع قدوم الأعياد، خاصة الدينية، فى تناقض سافر وازدواجية كريهة تستعصى على الشرح والتحليل، كيف وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل من انعدام الأخلاق وقلة التربية وانهيار المنظومة الأسرية والمجتمعية التى من أولى بديهياتها الخصوصية وعدم الاقتحام واحترام الرجل للمرأة بل احترام الإنسان للإنسان وحتى احترامه للحيوان، كان أقصى سقف للمعاكسة زمان فى الماضى السحيق كلمة «يا قمر» أو «يا جميل»، ونقطة فى آخر السطر، الآن وفى زماننا السعيد تطورت الأمور من الهمس إلى اللمس، ومن مجرد القمر الجميل إلى بنت الـ... والسباب الفاحش بكل أعضاء الأسرة ومعها أعضاء الجسم!!، لماذا هذه العدوانية تجاه البنت؟!، هل أنت تريد المعاكسة والغزل أم تريد تدميرها وتعنيفها والانتقام منها وغرس إحساس الدونية فى كيانها وروحها وغرس أنيابك ومخالبك فى وجدانها وحل كبتك وعقدك وكلاكيعك على لوحة تنشينها؟! الشارع المصرى أثناء الأعياد بمشاهد التحرش القبيحة الأبيحة المنتشرة فيه يمثل أبشع لوحة رسمها شعب على مدار تاريخه، يجب أن نخجل كشعب، ونتكسف على دمنا كوطن أن نكون قد أفرزنا هذه الحثالة البشرية والنفايات الآدمية التى تتعدى على البنات والنساء بهذه الطريقة المقززة وبهذا الأسلوب المقرف المثير للغثيان، بهذه العجينة الشيطانية من هذا السلوك لن نصل إلى أى شاطئ، لن تنفع ديمقراطية ولا نهضة اقتصادية ولا أى شىء، طالما تحكمنا هذه النظرة المتدنية الوضيعة تجاه المرأة المستباح لحمها وعرضها وكيانها، والمسموح ببعثرة كرامتها فى الشارع بهذا الشكل المقيت المخجل المحبط، هل نحن فى غابة؟ صدقونى حتى هذه العبارة لم تعد صحيحة، فحتى الغابة لا يحدث فيها تحرش، مثلما يحدث على أرض وطن اسمه مصر.