وصلتنى ردود فعل كثيرة على ما كتبته عن قانون تطوير الأزهر وإنشاء الكليات المدنية، والذى اعتبرته خطأ دستورياً وسياسياً، الرسالة الأولى كانت من د. طارق الغزالى حرب، الذى قال فى رسالته: سعدت جداً اليوم 7/23 بما قرأته فى عمودكم اليومى المتميز، لأنكم أثرتم فيه قضية أعتبرها- فى رأيى الخاص- أهم ما يمكن فعله على طريق طويل، يختصره البعض فى جملة قصيرة مائعة عائمة هى «تجديد الخطاب الدينى»، وأفصله أنا بصورة أكثر وضوحاً بما أسميه «تحجيم عملية تديين الدولة وانتشار الأفكار الوهابية»، التى بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، ويتحمل وزرها وخطيئتها الرئيس الراحل أنور السادات والحاشية التى كانت حوله.. وأعنى بالقضية تلك إعادة النظر فى «قانون تطوير الأزهر»، الذى صدر فى عهد الزعيم عبدالناصر. لست أشك فى نوايا الزعيم الخالد حين صدر هذا القانون، فقد كان فى ذهنه تمكين مصر من إرسال مبعوثين مصريين فى مختلف التخصصات لدول العالم الإسلامى يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً فى العمل فى الدائرة الإسلامية، إحدى الدوائر الثلاث التى كان عبدالناصر يدعو إلى توجيه السياسة الخارجية للاهتمام بها كما جاء فى أول وثيقة له وهى «فلسفة الثورة». للأسف الشديد، فقد خرجت الأمور عن السيطرة، وتدريجياً أصبح التعليم الدينى فى المعاهد الأزهرية- التى أصبحت باب الدخول الوحيد لجامعة الأزهر بكل كلياتها- موازياً للتعليم العام، بل ربما فاقه عددا، خاصة بعد انتشار المعاهد الأزهرية بطول البلاد وعرضها، طالما أن طلابه سيلتحقون بكليات الطب والهندسة والعلوم والزراعة والآداب وغيرها. أصبحت هذه المعاهد- التى انتشرت فى كل شارع وقرية، والتحق بها الصبية من مختلف الأعمار، مع عدم وجود إشراف أزهرى حقيقى أو متابعة لأدائها ومَن يقوم بالتدريس فيها- منابع للفكر المتطرف وتربة خصبة لنشر الأفكار الوهابية المتخلفة، لقد كتبت حول هذا الموضوع عدة مرات طوال السنين الأخيرة، وطالبت رؤساء الجمهوريات المتعاقبين من مبارك حتى السيسى بأن يكون لأحد منهم الشجاعة لاتخاذ القرار بعودة الأزهر إلى سابق عهده قبل صدور قانون تطوير الأزهر. إن عملية إغلاق المعاهد الأزهرية أو عدم التصريح بإنشائها مستقبلا ستكون أمراً صعباً، فضلاً عن إمكانية استغلاله بصورة تخدم أغراض المتطرفين والمهووسين دينياً، ولكن عودة الأزهر إلى دوره الطبيعى الذى كان يؤديه طوال عصوره المزدهرة سيكون لها بلا شك مردود إيجابى عظيم، حتى على الأزهر ذاته.. إذ سيقتصر عدد كلياته على الكليات الأربع الرئيسية العريقة: الشريعة، وأصول الدين، واللغة العربية، والترجمة، وتنفصل الكليات العلمية والأدبية لتتشكل منها جامعة جديدة تخضع لإشراف المجلس الأعلى للجامعات، ويُسمح فيها بدخول الطلبة والطالبات بدون تمييز دينى. بناءً على ذلك، فإن من يرغب فى إلحاق أبنائه بالمعاهد الأزهرية عليه أن يعلم أنه قد وهب ابنه لدراسة علوم الدين واللغة وليس لأى دراسة أخرى. سوف يكون لهذا القرار بلاشك مردوده الكبير فى خفض أعداد الملتحقين بالتعليم الدينى، وبالتالى تجفيف أحد أهم منابع الفكر الظلامى المتطرف، فى نفس الوقت الذى سيتحسن فيه بلا شك مستوى خريجى الأزهر من الدعاة. لقد طالبت مرات عديدة كل الكتاب والمثقفين ممن يوصفون بـ«التنويريين» بالإلحاح على مناقشة هذا الأمر ومطالبة رئيس الجمهورية به، خاصة أننى أعلم أن هناك كثيرين من أعضاء هيئات التدريس فى كليات جامعة الأزهر المختلفة يؤيدون هذا الأمر بشدة.. ولكن للأسف، هو تغيير ثورى جذرى يحتاج لجهود مضنية سواء فى مراحل التنفيذ أو فى مواجهة أصحاب المصالح.