سافرت إلى بورسعيد، تلك المدينة التى أعشقها وأذوب غراماً فى شوارعها، حتى لهجة أبنائها ولكنة تجارها التى يستخدمونها كطرفة فى المسلسلات صرت أعشقها، كل شىء فيها مختلف، من تصميم البيوت الخشبية التى تعود لزمن الاحتلال، حتى أسماكها وطريقة طهى نسائها، حتى أبوالعربى بمبالغاته له سحر خاص، ورغم قرب المسافة وإمكانية السفر والعودة فى نفس اليوم إلا أننى فضلت المبيت فيها حتى لا أفقد لحظة استمتاع بكل تلك المفردات البورسعيدية، اخترت فندقاً، هو مَعلَم أساسى من معالم بورسعيد، فندق هلنان أو ما اكتشفت أنه كان يسمى كذلك قبل تغيير اسمه إلى فندق مصر للسياحة، مازال البورسعيدية عندما تسأل عن عنوانه يقولون لك: هلنان فى الشارع الفلانى، واحود شمال أو يمين حتلاقى هلنان.. إلخ، الكل مازال فعلاً لا يريد الاعتراف بأنه تغير إلى اسم آخر وشركة أخرى، وعرفت بعدما ذهبت لهذا الفندق فى نسخته الجديدة وطبعته المصرية أن البورسعيدية عندهم حق فى الاحتفاظ بالاسم القديم، لأنهم فى الحقيقة يحتفظون بذكرياته القديمة عندما كان تحفة شاهدتها بنفسى واستمتعت بمستوى الخدمة فيه، وقت أن كان تحت تلك الإدارة الأجنبية.. أقول هذا وأنا فى منتهى الأسف والخجل، أقر وأعترف بأن هذا الفندق تحت إدارة السياحة المصرية تحول من تحفة إلى خرابة، مما جعلنى وأنا متعب ومنهك من السفر أعود أدراجى من حيث أتيت وألغى الحجز بعد ما شاهدته من مستوى لا يرقى إلى نصف نجمة!!.. وهذا يطرح سؤالاً صادماً وجارحاً لكرامتنا الوطنية وهو: لماذا تصل مرافقنا وفنادقنا إلى هذا المستوى الردىء بعد أن يهجرها الأجانب؟، ماذا حدث لنا ولماذا لم تتكرر تجربة قناة السويس التى أدارها المصريون بنفس كفاءة الأجانب بعد أن هجرها القباطنة الفرنسيون وغيرهم؟!، وجدت العشوائية فى كل شىء، عدم احترام للحجز، وبحث عن غرف كأنهم يبحثون عن إبرة فى كوم قش، ينظر موظف الريسبشن للكمبيوتر وكأنه ينظر إلى مفاعل نووى لا يفهم منه شيئاً، أسانسيرات خربانة، سراير ومخدات وكنب ردىء التنجيد، تنبعث منه رائحة عفنة، وكأننا فى مرحاض عمومى، عمالة رديئة لا تفقه ألف باء التعامل السياحى، شاليهات متواضعة المستوى وكأنك فى عشش طريق المقابر، حتى حمام السباحة جريمة متكاملة الأركان، أما شاطئ البحر فحدّث ولا حرج عن مستوى نظافته التى تصل إلى الحضيض، تحس معها أنك فى سوق التلات، تفاصيل تدعو للرثاء والبكاء على حال فندق هو مجرد صورة من تردّى وضع السياحة فى مصر، الرداءة ليست بسبب نقص السياح فقط، ولكنها لنقص مهارة وتدريب العمالة السياحية المصرية التى تجعلك تتساءل: ماذا حدث للمصرى الذى يوظف فى مشروع سياحى؟، لماذا لا يجيد؟، لماذا يستسهل ويركبه ويتلبسه عفريت الفهلوة المصرية رغم المرتب المرتفع ورغم أن عليه طلبا لأنه فى بلد زواره كثيرون، وفنادقه تعد على أصابع اليد الواحدة؟!، لماذا ورغم توافر ظروف النجاح يصر موظف السياحة المصرى على الفشل؟!.. إنها ليست مشكلة شخصية على الإطلاق، فرغم كل شىء، فإن دقيقة فى بورسعيد هى منتهى المتعة لى شخصياً، وليست بكائية على الفندق الذى كان، ولكنها بكائية على السياحة التى كانت، والتى - للأسف - مازالت تحتاج إلى المنشط الأجنبى والتطعيم الغربى والمدير الذى تربى وتعلم فى مدرسة الأجانب الفندقية، وليس الذى تعلم فى مدرسة الفهلوة والطلسأة التى تفعل كل شىء نص نص، وإلا خمسة، وقول يا باسط.