عندما قرأت مانشيتات الصحف العالمية والمجلات العلمية عن الاكتشاف الجديد لعلاج الإيدز الذى اكتشفه عالمان إسرائيليان من الجامعة العبرية بالقدس http://www.i24news.tv/en/news/technology/98709-160111-israeli-researchers-offer-glimmer-of-hope-for-hiv-carriers عرفت لماذا تقدموا علمياً وتخلفنا نحن؟! إنه منهج وروح التفكير العلمى السارى فى خلايا وروح وعصارة ونخاع المؤسسات والشعب، حكومة ومواطنين، برلماناً وناخبين. تأملوا القصة وقارنوا بين خطوات هذا البحث الإسرائيلى الذى قاده البروفيسور إبراهام لويتد والبحث المصرى الذى قاده البروفيسور إبراهيم عبدالعاطى! تأملوا كيف وضع العالم الحقيقى إبراهام اكتشافه فى حجمه الطبيعى دون بروباجندا أو تفخيم، فقد قال إنه «تقدُّم علمى فى سبيل القضاء على فيروس الإيدز، ولن نعلن النتائج النهائية إلا بعد الانتهاء من التجارب السريرية على البشر، وسيتم إعلانها فى مؤتمر علمى»، وبالطبع نُشرت تجارب إبراهام على الحيوانات فى مجلة «أبحاث الإيدز» ومجلة «ثيرابى جورنال»، أما باحثنا الهمام إبراهيم عبدالعاطى الذى لم يحاسَب حتى هذه اللحظة فقد نفخ فى اكتشافه الأسطورى وقال إنه يعالج الإيدز والتهاب الكبد الوبائى والصدفية والروماتويد... إلخ، ولم يصبه فيروس التواضع فيحصر نجاح جهازه العجيب فى مرض واحد، وإنما طنطن بأنه كليفلاند متنقلة، أما إعلانه عن اكتشافه فقد حدث فى مؤتمر إعلامى صحفى وليس مؤتمراً علمياً عالمياً وحتى بدون علم وحضور أطباء الجيش المتخصصين أنفسهم!!، وعندما كتبنا وقتها وسألنا: ما هو الميكانزم وما هى آلية عمل الجهاز؟ هل هو يضرب إنزيماً معيناً أو يحفز خلية مناعة معينة... إلخ؟، كان الرد الوحيد المفحم عند العلامة الفهامة عبدالعاطى أنه يحول الفيروس لصباع كفتة، والآلية تعتمد على الإعجاز العلمى الموجود فى آية تتحدث عن الحديد اكتشفها زغلول النجار!!! لكن تعالوا معايا وشوفوا واتفرجوا على الخواجة إبراهام الإسرائيلى كيف فكر ببساطة، وأرجو ألا يكون التبسيط مخلاً؟! عندما يصاب شخص بالإيدز، فإن فيروس نقص المناعة المكتسبة يدخل إلى خلايا الدم ويبقى مستتراً، لا يعرف الأطباء متى يمكن أن يبدأ نشاطه أو متى يمكن أن يستنسخ نفسه، فى الطبيعى الجهاز المناعى للإنسان ينتج خلايا دفاعية تسمى CD4 تعمل على تخليص الجسم من الأجسام الغريبة التى تدخله، ولكن عند الإصابة بفيروس الإيدز فإن هذه الخلايا تتعرض لغزو من قبَل هذا الفيروس، يعنى ببساطة الجندى المكلف بمقاومة المجرم يسيطر عليه المجرم نفسه، وهنا تكمن معضلة الإيدز بتدمير الجهاز المناعى للإنسان، حيث يصبح المصاب معرضاً لجميع الأمراض بدون رادع، ومجرد زكام بسيط يقتله، يدخل الفيروس للخلية ويسيطر على DNA نواة الخلية، ثم يصنع نسخة عن نفسه من المواد التى تكوّن الـDNA فى الخلية. تختبئ بعد ذلك النسخة نفسها فى DNA الموجود فى خلية CD4. لذا يبدو DNA الخلية سوياً وسليماً تحت المجهر مع أنه بات الآن مختلطاً بـDNA فيروس الإيدز، وعندما يختبئ فيروس الإيدز بأمان داخل DNA الخلية، يستطيع أن يفعل شيئاً من اثنين، يمكن أن يبقى ثابتاً ساكناً فى الخلية، أو يمكن أن يتحكم بـDNA الخلية ويستخدم آلية الخلية لصنع نسخ من نفسه، ولصنع النسخ يستخدم بروتيناً يُدعى «الناسخة العكسية»، وعندما يبدأ بالتكاثر يصنع آلافاً من فيروسات الإيدز الجديدة، ثم تغادر هذه الفيروسات الجديدة الخلية وتدخل خلايا CD4 أخرى، وهكذا، ما الحل إذاً؟ العالم الإسرائيلى يعتقد أن الخلايا المصابة بالفيروس يمكن قتلها بدون أن يشكل هذا ضرراً على باقى الجسم، وبذلك يتم منع انتشار الفيروس، ولكن كيف يتم هذا؟ بدلاً من نسخة واحدة من DNA الفيروس التى تدخل الخلية المصابة، نُدخل العديد من النسخ التى تم تطويرها مختبرياً داخل الخلية، مما سيؤدى إلى تفعيل التدمير الذاتى للخلايا. المهم كيف قابل علماء إسرائيل انتقادات بعض الجهات العلمية للاكتشاف؟ لم تتصاعد اتهامات التخوين والعمالة والصراخ بأنهم ضحايا مؤامرة، ولكن خرج باتريك ليفى، المدير التنفيذى الأول لفرقة العمل لمكافحة الإيدز فى إسرائيل، وهو من حاملى المرض منذ 28 عاماً، وعبّر عن تفاؤله بالقول: «هناك دائماً تقارير عن تقدمات علمية، أنا أحاول أن لا أتوقع أكثر من اللزوم حتى لا يخيب أملى». شوفتوا التواضع والوسواس العلمى المختلف تماماً عن الفتونة والغشومية اللاعلمية التى يتحلى بها البعض فى مصر والتى تغذيها أخبار مثل «طالب إعدادى يخترع علاجاً للسرطان»، و«سباك يخترع سفينة فضاء»!!، هل عرفتم الآن لماذا تقدموا ولماذا تخلفنا؟.