كدت أبتلع كل أقراص علب الكوفارسيل والناتريليكس والكونكور الموجودة على الكومودينو لعلاج ارتفاع الضغط فى جرعة واحدة، لكى أتخلص من البرنامج الذى كنت أشاهده، أو لأتخلص من الحياة التى صار نجوم فضائياتها هم رعاة عفركوش وعفاريت خالتى نوسة!!، فى يوم واحد عمرو الليثى يقدم لنا ساعة مع معالج روحانى يشفى سرطان القولون، وهى بالطبع جزء من سلسلة طويلة يحاول فيها «الليثى» أن يخرب العقل المصرى فى أبشع جريمة إعلامية تمت فى مصر مع سبق الإصرار والترصد، وفى نفس التوقيت يقدم «حساسين» على فضائيته الملاكى لقاءً مع شخص يدعى أنه ربنا، وأنه سيعدم الرئيس ويطلق سراح المعتقلين!! وثالثة الأثافى داليا البحيرى على التليفزيون المصرى الرسمى، وفى برنامجه الجبار الأسطورة أنا مصر ترتدى الطرحة، ليقوم الشيخ بالرقية الشرعية عليها، وهى ترتدى الملابس الشرعية!!، مصر صارت تتناول «ترامادول» إعلامياً يغيبها عن الزمان والمكان والتاريخ والتحضر. إن ما شاهدته وأشاهده كل يوم على شاشاتنا، التى تشكل وعى الغلابة المنسحقين أمامها، أعتبره جريمة متعمدة متكاملة الأركان، لتحويلنا إلى قطيع من الخرفان لتسهل عودة العصابة التى كانت تحكمنا بالتغييب والتجهيل وتجارة الدين، ولا غرابة أن يكون رأس الحربة فى هذه الغزوة التخريبية التخريفية شخصين، الأول مستشار مرسى، والثانى حاضن صلاح أبوإسماعيل وتلميذه المخلص، وإلا فليرد وليجبنى أى شخص على هذا الكوكب، ما معنى أن يخرج من يناديه «الليثى» بالشيخ، وهو دجال رسمى، وبامتياز ليجلس أمامه الجمهور ساعة ليشاهد هرتلات وتخاريف وحركات نصب مغلفة بالدين واستهانة بالشهادات والعلم حين يقول مش كل حاجة شهادات، ساخراً من الطبيب، ويمارس أمامنا عتهاً وعبطاً وتخلفاً من نوعية هخلى الجن يرفع إيدك يمين شمال، وكأنه يستخدم الجن توك توك ملاكى لسيادته!!، ثم يعده فى النهاية بأنه سيشفيه من السرطان بالعلاج الروحانى!!، العيب ليس عليهم لا الليثى ولا حساسين ولا البحيرى، إنما العيب على من ترك عقول المصريين لعبة فى أيديهم، حتى البديل لا يريدون تقديمه، لا يوجد للأسف أى رجل أعمال مالك لفضائية، وأتحداهم جميعاً أن يوافق أحدهم على تقديم برنامج علمى على الفضائية التى يمتلكها، برنامج يقدم العلم ببساطة للناس، ولو على سبيل الزكاة عن نفسه وعن صحته، وحتى صندوق «تحيا مصر» يخرج الرئيس ليقول إنه سيدعم مجلة «نور»، بالرغم من أنها مجلة أطفال موجهة للمسلمين فقط، ولا يدعم برنامجاً علمياً محترماً للمصريين جميعاً فى ماسبيرو، الذى يدخل للأسف سباقاً عنيفاً وماراثوناً لاهثاً للمنافسة على الفجاجة والهيافة والتفاهة مع تلك الفضائيات الخاصة، السؤال: ما المقصود بالضبط يا سادة؟، هل المقصود تجهيل المصريين وتخريب عقولهم ونزع أى منهج علمى نقدى من تلافيف أمخاخهم؟، والسؤال للدولة قبل هؤلاء المذيعين، فهؤلاء المذيعون وغيرهم يلهثون خلف المكسب السريع، ويسجدون لصنم الإعلانات المصنوع من العجوة، أما الدولة فما الدافع لتبنيها، ولا أقول تجاهلها وطناشها؟ بل أتهمها مباشرة لأن الأمر زاد على حده، والإعلام صار أداة تغييب عقل وتزييف وعى وتهميش روح واغتيال علم، كنا قد غضبنا من ريهام سعيد وثارت ثائرة المشاهدين ضدها، فاكتشفنا أن ريهام سعيد هى أسلوب حياة، ومنهج معيشة، وفلسفة تفكير، وصناعة بزنس، ووسيلة سيطرة وتمكين. لا بد من تكوين جماعة «آسفين يا ريهام»!! فكلنا «ريهام» من «الليثى» إلى «حساسين».