فى الندوة التى عقدت فى «دار العين للنشر»، لمناقشة رواية الكاتب الكبير رؤوف مسعد، التى تعرضت لظروف رقابية غريبة وعجيبة من المطبعة، التى ناقشتها من قبل فى مقال منفصل، سألت بعض الحاضرين من المثقفين الكبار، ومنهم د. نبيل عبدالفتاح والسيناريست عاطف بشاى: هل سينتصر التنوير برغم ما نراه من سجن للمثقفين ومطاردات للمبدعين؟، كانت الردود إيجابية ومعظمهم أجمع على أن انتصار التنوير حتمية تاريخية، ولكن الطريق طويل وشاق، أنا موافق ومتفائل لكن بحذر، وتفاؤلى ليس نابعاً من أننى سأرى نتائج هذا التنوير بعينى، فأنا واثق تمام الثقة بل متأكد تمام التأكد من أننى لن أرى نتائج أى تنوير أثناء حياتى ويمكن فى حياة أبنائى من بعدى، لكن هذا لا يعنى ألا نبذر بذوره فى الأرض، هذا لا يعنى أن نكون أنانيين ونصر إما أن نرى التنوير ملموساً فى حياتنا وإما لا، وما نراه من سجن ومطاردة لأهل التنوير ليس إلا ذروة الصراع وقمة الفضح للتيار التقليدى الرجعى الفاشى الفاشل الذى لا يستطيع أن يقنعنا بأفكاره، فيقمعنا بأسواره وكلابشاته ورصاصه!!، أنا متفائل فقط، لأنه لا يمكن لأى مجتمع الآن أن يعيش ويتحضر وينضم إلى عالم الحداثة إلا إذا اتبع قيم التنوير وأعلى من قيم المواطنة واتبع المنهج العلمى النقدى فى التفكير الذى لا سقف لتساؤلاته وعلامات استفهامه، السؤال الأهم: لماذا خسر التنوير معركته التى بدأها مع رفاعه الطهطاوى؟، الإجابة خسر لأنه كان تنويراً نص نص، تنوير إلا خمسة، تنوير شبه التنوير، ترقيع، توفيق، تلفيق، لم نواجه فيه الأسئلة المهمة بجد وجدية، تتبنى الدولة الاشتراكية، فينبرى المثقفون ويجهدون أنفسهم للبحث عن نصوص دينية تسندهم فى تلبيس الاشتراكية الجلباب الإسلامى فنخرج أبا ذر الغفارى من صفحات التراث، ليحمل للاشتراكيين أفكار ماركس وإنجلز ولينين!، تأتى الرأسمالية وتنقلب الدولة على تلك الأفكار الاشتراكية، فتجد البوصلة قد غيرت اتجاهها وأصبح الحديث عن عثمان بن عفان، التاجر الغنى، وعن أن فى التجارة تسعة أعشار الرزق، ظن التنويريون أن التنوير هو كلام فى التاريخ والسياسة فقط، لذلك ابتلع هؤلاء، ومرروا كلاماً خطيراً مدمراً مثل كلام زغلول النجار مثلاً، كانوا مفلسين فى الرد عليه ومنهم من كان كلام زغلول يضخم غدة الفخر العنصرى الكامنة بداخله!، التوفيقية والتلفيقية ودخول معركة التنوير أمام التيار المتشدد بطريقة: «إنت حتجيب لى نص، حأجيب لك نص مضاد»، وللأسف فى حلبة الملاكمة فى الشارع المصرى كان ينتصر دائماً صاحب النص المتشدد بحكم المزاج وسطوة الماضى، واكتساح منابر التخلف، لأن من يرفع راية التنوير لا يهبط إلى جذر المشكلة، ويناقش منهج التفكير والتحليل نفسه، لكنه يتمسك بمناقشة الفروع والثمار والقشور، لا يناقش ما الذى أفرز مثل هذه الأفكار والتفسيرات، ولكنه يناقش المنتج النهائى، لا يفتش عن المطبخ الذى طبخت فيه هذه الأفكار ولا الفرن الذى أنضجها، ولكنه يتلقى الرغيف الفكرى ويظل يبحث فى العجينة والطعم، التنوير للأسف استوردناه، وأتى لنا عبر البحر تحت برانيط المبعوثين على طبق من ذهب دون صراع على الأرض، لذلك مات سريعاً وتنازلنا عنه بسهولة، أنه كان تطعيماً ولقاحاً لا ينتمى لأجسادنا، فتم لفظه سريعاً ولم يكسبنا المناعة، فسقطنا مع أول فيروس وهابى.