عادل إمام فنان استثنائى فى تاريخ الفن المصرى، استطاع أن يحتفظ بالقمة أو على الأقل ينافس عليها، من نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حتى الآن، أكثر من ثلاثين سنة وهذا الفنان يحفر بأظافره وبإصرار وصبر وجلد وذكاء، الطريق إلى عرش النجومية، لم تتوافر لفنان من قبل فرصة اعتلاء قمة واكتساح إيرادات المسرح الكوميدى والسينما فى وقت واحد، تعثر فى بعض الخطوات وأخفق فى بعض الاختيارات وتاهت منه البوصلة أحياناً بحكم طول المدة وكثرة الكم، ولكنه كان دائماً الفنان الذى يراهن الجميع على أنه لن يتوه منه الطريق ولن يفقد القارب، وحتماً سيصل ويتربع من جديد.. لم يتعرض فنان مثله فى تاريخ الفن المصرى إلى كل هذا الكم من الهجوم الذى وصل إلى حد تفرغ مؤسسة صحفية بكامل هيئتها التحريرية لنسفه معنوياً واغتياله أدبياً، ولكنه صمد أمام رياح النقد الشخصى الذى وصل إلى درجة التجريح الشخصى والإهانة العائلية، وكان كالعنقاء يخرج من تلك النار وذلك الرماد ليعزف لحناً فنياً وإبداعاً درامياً من جديد ويمتعنا بسيمفونية عذبة شجية.

آخر معزوفاته السينمائية فيلم «زهايمر»، من إخراج المخرج الجميل عمرو عرفة، الذى مست عصاه السحرية إبداع عادل إمام، فخرج هذا اللحن الذى أضحكنا حتى البكاء، واختلط فيه ملح الدمع ومرارة الحزن بصفاء الضحكة وبهجة الابتسامة، وسيناريو نادر صلاح الدين كان مختلفاً عن أفلامه السابقة، لأنه دخل فى صوبة عادل إمام التى حفظته من سرعة العطب الذى تفرضه قوانين السوق السينمائية الجديدة. استطاع ذكاء عادل إمام الذى دوماً يفرخ نجوماً جدداً فى كل فيلم أن يحدد براداره الحساس أن الثلاثى فتحى عبدالوهاب وأحمد رزق ورانيا يوسف هم بصمات فنية متفردة، ستكون من أعمدة الفيلم، وبالتالى من أعمدة السينما المقبلة.

قصة جحود الأبناء قصة قديمة ومن الممكن أن تكون مستهلكة، لكن الصياغة وكم الشجن الإنسانى الذى يتسلل برقة فى خلفية المشهد ولا يقتحمك بغلظة ليستدر دموعك، تلك الصياغة أنقذت الفيلم من الوقوع فى فخ التكرار، ضحكنا على تمثيلية الألزهايمر ولم نضحك على مريض الألزهايمر وهذا هو المهم، تعاطفنا وبكينا مع مشهد سعيد صالح مريض الألزهايمر، وأحسسنا بغلالة دموع الصديق من خلف سور المستشفى وهى تقول: كم أنت قاس أيها الألزهايمر اللعين!

يتبقى صلاح مرعى ومحسن أحمد وعمر خيرت، مازال صلاح مرعى وفياً لمدرسة أستاذه شادى عبدالسلام، الديكور عنده ليس مجرد قطع موبيليا أو ركام أثاث، ولكنه حياة وروح وإشعاع، أما محسن أحمد فيعلمنا فى كل فيلم أن الإنارة شىء والإضاءة شىء آخر، الإضاءة فن والإنارة حرفة، ونعرف معه أن التصوير ليس حبس الظل فى كادر ولكنه تحرير الروح فى لقطه! تأتى فى النهاية موسيقى عمر خيرت التى تمسنا من الداخل بالوتر والنغم والهارمونى، أحياناً تحمل شقاوة الأطفال ورقصهم وتنطيطهم، وأحياناً تحمل شجن الشيوخ وحزنهم وحكمتهم.

شكراً عادل إمام، فنك هو أقوى قرص ضد الألزهايمر.