رصدنا بالأرقام فى المقال الأول حجم مشكلة التحرش الجنسى بالأطفال، أما بالنسبة لسيناريو الحدث البشع نفسه فسنسمعه من أحد المختصين النفسيين وهو الدكتور «عمرو أبوخليل» أستاذ الطب النفسى ومدير مركز العلاج النفسى والاجتماعى بالإسكندرية - مصر، وهى لطفل عمره 10 سنوات أشرف الدكتور عمرو بنفسه على علاجه، كان هذا الطفل قد تعرّض لاعتداء جنسى على مدار سنة كاملة على يد شاب مراهق تجمعهما صلة قرابة، واكتشفت الأم الأمر بالصدفة بعد أن تراجع مستوى ابنها الدراسى، وساءت حالته الصحية، وأصبح أكثر انطوائية، ويذكر الولد أن عملية انتهاك جسده من قبَل هذا المراهق استمرت طيلة هذه الفترة تحت سطوة التهديد المستمر له بفضحه، والبطش به إذا أفشى السر أو لم يستجب لرغباته. ويمضى د. عمرو قائلاً: «كانت مهمة شاقة فى علاجه وإعادة ثقته بنفسه من خلال محاولة تخليصه من عقدة الذنب التى أصبحت تسيطر عليه، فضلاً عن عقدة القهر الناتجة عن الضغط الذى مارسه الجانى عليه، والذى يشعر الصغير بأنه كان بإمكانه المقاومة، ومن هنا يبدأ الصراع»، ويشير د. عمرو إلى أنه حيا الأم على شجاعتها؛ لأنها سارعت بإبلاغ الشرطة عن الواقعة، وتم القبض على الجانى وتقديمه للعدالة ليُقتص منه. وكان الضابط الذى ألقى القبض عليه على وعى بما يعانيه الطفل تجاه هذا الجانى؛ فجعله يراه وهو محبوس فى السجن؛ بل جعله يفرغ شحنات الكراهية تجاهه من خلال ضربه، وهذا ساعد كثيراً فى عودته طبيعياً كما كان. تتعدد المضاعفات الجسدية والنفسية للتحرش الجنسى بما لا يمكن حصره فى هذا المقال ولكن سنحاول تلخيص مثل هذه المضاعفات بشكل سريع حتى نلمس عن قرب مدى التدمير الذى يسببه هذا التحرش فى روح الطفل قبل جسده، فالأعراض الجسمية، وهى الأقل تدميراً والأسرع التئاماً، تشمل الالتهابات الناشئة عن الاعتداء، التى لم تعالج فى الوقت المناسب نتيجة الخوف والخجل الذى يزيد من معاناة الطفل، ناهيك عن الاضطرابات المعوية التى تصيبه، فضلاً عن الالتهابات التى تنشأ فى الأجهزة التناسلية، والنزيف الذى ربما يحدث فى المناطق التى تعرضت للاعتداء، أما الآثار النفسية الأخطر فيلخصها علماء وأطباء النفس فى نقاط أهمها الشعور بالذنب الذى يسيطر على الطفل، واتهامه لنفسه بعدم المقاومة، وهذا الشعور هو أبو الكوارث والمصائب النفسية جميعها التى من الممكن أن تصيبه لاحقاً ما لم يتخلص منه، والغريب أن المجتمع يساهم فى تأصيل مثل هذا الشعور وتأكيده عن طريق نظرته إلى ما حدث للطفل المعتدَى عليه بأنه فضيحة هو مسئول عنها، ناهيك عن توبيخ الأسرة له التى من المفترض أنها مصدر الأمان له، ومطالبته بالسكوت، خاصة إذا كان المعتدى من أفراد العائلة، وهذا كله يجعل الطفل يفقد الثقة فى نفسه وفى أسرته وفى المجتمع بشكل عام الذى لم ينصفه وهو المظلوم المعتدى عليه، ومرحلة الطفولة تكون من المراحل المبكرة للنمو النفسى لدى الإنسان، وأى اختلال فيها كهذا الموقف يؤدى إلى زيادة إمكانية تعرض هذا الطفل لشتى أنواع المرض النفسى، وقد يسلك الطفل نفس سلوك الجانى بالاعتداء على آخرين كنوع من الانتقام. ويقص لنا د. أبوخليل حالة أخرى؛ كان الجانى فيها هو «الجد» الذى أصيب بخرف الشيخوخة، وهو مرض يجعل كبير السن فى حالة عدم سيطرة على مشاعره وتصرفاته الجنسية؛ نتيجة لاضطراب الإدراك، وضمور خلايا المخ. ونتيجة هذا المرض قام الجد بالاعتداء الجنسى على 6 من أحفاده لعدة شهور متتالية، ظل هؤلاء الأطفال يعانون حالة من الخوف طيلة هذه الفترة، وبدأ آباؤهم يشتكون من تأخرهم الدراسى، وفقدانهم للشهية، وظهور أعراض اضطراب نفسى عليهم مثل التبول اللاإرادى، وظهور اللزمات العصابية مثل قضم الأظافر؛ الأمر الذى استدعى انتباه طبيبة شابة فى العائلة؛ فشكّت فى حدوث شىء، فأخذت تجلس مع الأولاد وتناقشهم حتى اعترفوا لها بممارسات الجد معهم، وتم إحضارهم للعلاج، ولكن آباء هؤلاء الأطفال لم يتركوا أبناءهم يكملون الجلسات العلاجية الخاصة بهم، مفضلين التستر على الموضوع حفاظاً على صورة الجد، رغم أن استمرار العلاج لا علاقة له بهذه الصورة.