استبشرت خيراً بخبر إنشاء مدينة الأثاث بدمياط كبداية لإعادة الاهتمام بهذه المحافظة التى كانت بمثابة يابان مصر، وتم إهمالها وإهمال صناعاتها التى تتفرد وتتميز بها مثل صناعة الأثاث والأحذية والحلويات ومنتجات الألبان.. إلخ، تم الغزو الصينى فى الأثاث والأحذية والغزو الشامى فى الحلويات، وباتت صناعات دمياط مهددة بالانقراض، لكن فى وسط كل هذه العشوائية اللاتخطيطية التى تهدد تلك الصناعات يقف فى وسط المشهد فنان دمياطى أصيل شامخاً هادئاً متأملاً، إنه الأويمجى مايكل أنجلو مصر، هذا الفنان الذى بأزميله الدقيق ينحت على الخشب نقوشاً هى قمة الإبداع، الأويمجى أو نحات الخشب مختلف عن نحات الحجر، فبرغم أن الصراع مع خامة الحجر أو الجرانيت أقوى وأعنف، إلا أن النحت على الخشب هو صراع حياة مع حياة، الذى يشكل بأزميله هو بشر حى، والذى يتشكل هو خشب كان يتنفس ويرتوى، وأتخيله ما زال يتنفس، بينما يد الأويمجى تشكله، عندما يلمس الخشب المفرود فى الورشة مدى موهبة الأويمجى يترك له نفسه ويطيعه وينثنى معه ويرحب بأزميله ليمرح فى زواياه لتخرج فى النهاية لوحة تشكيلية على واجهة دولاب أو سرير أو كومودينو أو حتى رجل ترابيزة، أخاف على مهنة الأويمجى من الانقراض بسبب غزو القوالب الصينى الجاهزة، عشقت صاحب هذه المهنة وكنت أنظر إليه دائماً وأنا طفل على أنه سوبرمان من كوكب آخر، عندما كنت أذهب فى إجازتى الصيفية لقريتى فى دمياط، كنت أتعمد زيارة ابن عم والدى حسن سعد أشهر أويمجى فى دمياط، يشبه عبدالحليم حافظ ويحفظ كل أغانيه، رشيق ورياضى، يختار ألوان ملابسه بعناية تصل لدرجة الوسوسة، كان يجمعنا ونحن أطفال ليغنى لنا أغانى عبدالحليم بصوته الجميل المعبر، كنت أراقبه وهو ينحت الخشب الصامت فينطقه، أراقب تعبيرات وجهه وهو ينفذ أحلامه ويلتقط إشارات خياله وينفذها على قطعة الخشب التى كنت أسمعها وكأنها تغازله، بكى يوم وفاة «عبدالناصر» ووجدته بدلاً من نحت واجهة السرير التى كانت مطلوبة منه ينحت لوحة لجنازة «عبدالناصر» ونهر النيل يبكى عليه، نحتها وهو يبكى، نحتها بسرعة أسطورية وجهد جبار، كسبت هذه اللوحة الخشبية الجائزة الأولى فى مسابقة كبيرة، يا ترى ماذا يفعل حسن سعد الآن وهو يرى مظاهر الزيف اللافنى وهى تغزو ملامح وتفاصيل حياتنا؟!، هل هجر المهنة بعد غزو القوالب الصينية الباردة المتشابهة كعيون أبنائها؟، وهو يرى انحدار الذوق فى اللبس والتعامل والسلوك، هل ما زال يغنى بحنجرة عبدالحليم فى زمن «آه لو لعبت يازهر»؟، هل سينقرض الأويمجى كما انقرض الطربوش والآلة الكاتبة والضحكة الصافية اللى من القلب؟.