دائماً ما تسمع من المدافع عن تعدد الزوجات تلك الجملة الخالدة «ما دام مقتدر وربنا فاتحها عليا إيه المانع؟!»، إنه العدل المادى الذى أكد عليه معظم الفقهاء قديماً بأنه العدل الوحيد المطلوب. وهذه نقطة تحتاج إلى وقفة هادئة للمناقشة لتوضيح كيف أن من يروجون للتعدد لا يقيمون وزناً لمشاعر المرأة، خاصة المرأة المعاصرة التى اختلفت أولوياتها ولم تعد تقتصر على الفلوس والسكن وإنما دخل الحب ودخلت المشاعر وأصبحت نظرة الحب ولمسة الحنوّ وحميمية الارتباط أهم من العدل المادى المتفق عليه شرعاً!، إنه العدل المعنوى الذى لا يستطيعه الزوج المتزوج بأكثر من واحدة، وهو العدل الذى عناه الرسول حين قال: «اللهم هذا عدلى فيما أملك فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك»، وإذا قرأنا بعض الحجج التى يسوقها مناصرو التعدد سنجدها تعبر عن انحياز ذكورى مرعب، وفهم عنصرى ضيق، فمثلاً يقول الفقيه السعودى بن باز نقلاً عن كتاب محاسن تعدد الزوجات: «لا شك أن المرأة التى يكون لها نصف الرجل أو ثلثه أو ربعه خير من كونها بلا زواج»!! يعنى يا كده يا كده، وكأننا فى محل جزارة أو مانيفاتورة نقسم ونشفى ونوزع! ويشرح د. محمد عبدالسلام فى كتابه دراسات فى الثقافة الإسلامية العدل بين الزوجات كما فهمه من دراساته الفقهية: «العدل المطلوب فى الآية هو العدل المادى وهذا فى مقدور المسلم أن يحققه، حيث يسوى بين زوجاته فى المأكل والملبس والمسكن والمبيت»، ونفس الفكرة يؤكد عليها مصطفى السباعى فى كتابه «المرأة بين الفقه والقانون» فى قوله: «العدل المشروط فى الأولى هو العدل الذى يمكن للزوج أن يفعله وهو العدل المادى فى مثل المسكن والمبيت واللباس والطعام وغير ذلك». من الحجج التى يسوقها مناصرو تعدد الزوجات حجة غريبة وشاذة وملخصها أن بركان الفحولة الجنسية لن يخمده إلا تعدد الزوجات، يقول كتاب محاسن تعدد الزوجات فى الحجج التى يسوقها: «أن يكون الزوج عنده من القوة الجنسية ما لا يكتفى معه بزوجة واحدة، فهل تقول له لا تتزوج فتدفعه إلى الحرام واتخاذ الخليلات»، ويقول د. مصطفى السباعى فى كتابه السابق: «بقيت حالة أريد أن أكون فيها صريحاً أيضاً، وهى أن يكون عنده من القوة الجنسية ما لا يكتفى معه بزوجته، إما لشيخوختها وإما لكثرة الأيام التى لا تصلح فيها للمعاشرة الجنسية وهى أيام الحيض والحمل والنفاس والمرض وما أشبهها»!!!، وهذه الحجة الغريبة مردود عليها بسؤال محرج لهؤلاء وهو: ماذا عن السيدة ذات الطاقة الجنسية الأعلى من زوجها الذى يعانى من نفس الأسباب، هل نسمح لها بتعدد الأزواج مثلاً؟ أم أن الحكاية خيار وفقوس كما يقول المثل الشعبى!! وكيف يرد هؤلاء على غضب الرسول عليه السلام عندما علم بأن زوج ابنته فاطمة خطب امرأة أخرى فلم يسمح له وقام فى المسجد خطيباً وقال: «إنما فاطمة بضعة منى يسوؤنى ما ساءها». إذن تضييق الآية وشرط العدل وغضب الرسول وغيرها من الأدلة التى سقناها تدل على أن التعدد قضية فردية ذات صفة اجتماعية لا دينية كما قال المفكر الإسلامى سليمان حريتانى تقتضيها ظروف خاصة جداً ويجب أن تخضع لقيود محددة قانونياً تتناسب ودرجة التطور المعرفى للمجتمع، بحيث تكون المصلحة المشتركة للزوجين هى الغاية والهدف، آخذين فى الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية المتطورة فى الزمان والمكان.