وصلتنى رسالة من الإسكندرية بتوقيع المهندس عبدالعزيز السعودى، وهى رسالة مهمة أطرحها للنقاش لأنها تطرح موضوعاً مهماً وهو: هل من سيلجأ إلى الدستور لوأد وإخماد الفتنة الطائفية سيجد ضالته ويحقق هدفه، أم أنه دق على الباب الخطأ. يقول المهندس عبدالعزيز فى رسالته: بات انشغالنا فاعتيادنا التعايش مع ظواهر الشحن الطائفى - قولاً وفعلاً - جرس الإنذار الأخير لسقوط بلادنا فعلياً فى مستنقع التقسيم الطائفى الدينى، الأمر لا ينطوى على مبالغة. المشروع الاستعمارى - الرجعى لتقسيم بلادنا على أسس طائفية دينية حقيقة ماثلة أمام الناظرين يؤسّس لإنفاذه منذ عقود، كما أن مناعة النسيج الاجتماعى تتآكل بمعدلات سريعة. كيف لا وانتشار البث العلنى لكراهية المصريين بعضهم لبعض على أساس طائفى دينى يتم داخل حضانات ومدارس أطفالنا(!)، فضلاً عما تنضح به - فى ذات الاتجاه - ميكروفونات دور العبادة ومحطات تليفزيونية وصحف ومواقع وصفحات إلكترونية وتجمعات الناس المغلقة، مع هذا التشاغل أو الاعتياد، فقط تنطلق بُعيد كل حادثة طائفية أصوات غيورة على الوطن تطالب بضرورة تطبيق القانون بحسم... أى قانون؟!...ربما تقصد المادتين 98 و171 بقانون العقوبات المعروفتين بـ«ازدراء الأديان». القانون يا سادة يكون حبراً على ورق ومكبلاً بسيد القوانين وحاكمها ألا وهو الدستور. هوية الدولة بالدستور (أية دولة) هى ما تحدد جوهره، تشكل قاطرته. ولا يغير من تلك الحقيقة ما يزخر به الدستور (بما فى ذلك دساتير الدول الدينية) من مواد تبدو أنها توفر حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحقوق الإنسان. هوية الدولة هى العنوان الكبير لطبيعة الدستور خاصة إذ حُدد - بصدره - مصدر التشريع. الطامة الكبرى هو فيما تم من تغليظٍ لمضمون المادة الثانية فى الدستور الراهن عما كانت عليه بدستور 71 وتعديلاته 80، إذ حرص السلفيون على تدبيج مرجعية تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية فى مقدمة هذا الدستور الجديد بالنص على: «نكتب دستوراً يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وأن المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن»، بهامش ينص على: «يتم إيداع الأحكام فى المضابط». هذه الأحكام التى وُضعت بمضابط الدستور هى: (دعوى رقم 47 لسنة 4 قضائية بتاريخ 21 ديسمبر 85، قضية رقم 6 لسنة 9 قضائية بتاريخ 18 مارس 95، قضية رقم 8 لسنة 17 قضائية بتاريخ 16 مايو 96، قضية رقم 116 لسنة 18 قضائية بتاريخ 2 أغسطس 97). بمطالعة هذه الأحكام والتى تؤكد فى خلاصتها على عدم التفريق بين مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكام الشريعة الإسلامية لأنهما واحد(!)، امتناع الاجتهاد فيما هو قطعى الثبوت والدلالة، حجية الإجماع باعتباره من مبادئ الشريعة الإسلامية... ووفقاً لنص المادة 227 من الدستور الراهن «يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة». بهذه وتلك يكون النص الفعلى الحقيقى للمادة الثانية هو: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، وأحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، لذلك فإن أية دعوى قضائية - تتعلق بازدراء الأديان غير الإسلام والحض على الكراهية الطائفية على غير المسلمين - يمكن أن تنظرها محاكمنا سيكون مآلها الرفض استناداً إلى المادة الثانية وما جاء بشأنها فى مقدمة الدستور الراهن. هل لنا أن نتذكر قرار محكمة مجلس الدولة برفض الدعوى المقامة ببطلان شعار «الإسلام هو الحل» فى انتخابات 2005 البرلمانية والتى ذكرت فى حيثيات الرفض: هذا الشعار يمثل الترجمة الحرفية للمادة الثانية بالدستور؟، إن أية جهود تبذل لقطع دابر الفتنة الطائفية المتأججة الآن لا تأخذ فى نقطة انطلاقها تعديل الدستور بما فيه المادتين الثانية والثالثة الدينيتين الطائفيتين، لن يُكتب لها نجاح.