أعترف بأننى كنت فى قمة الغضب والقرف والصدمة عندما شاهدت كارثة إعادة حديث سابق للرئيس على شاشة ماسبيرو مضى على إجرائه عام على أنه حديث الأمس فى نيويورك، تساءلت مندهشاً: إلى هذا الحد بلغ الإهمال واللامبالاة والتواطؤ والترهل وعدم الجدية؟!، فى غمرة انفعال الغضب طالبت بإغلاق ماسبيرو، ولكنى بعد أن فكرت، طرحت على نفسى سؤالاً وجدته بديهياً ومشروعاً، هل ماسبيرو مجرم أم ضحية؟، هل هو الجانى أم المجنى عليه؟، هل هو سبب أم نتيجة؟، لا بد أن نعترف بأن مبنى الإذاعة والتليفزيون قد وصل إلى مرحلة من التفسخ والانهيار والتداعى والشلل والغيبوبة لم تحدث له منذ ماركونى!!، الدولة ظلت تشاهد هذا الانهيار على الهواء مباشرة، كما كنا نشاهد انهيار برج التجارة العالمى فى 11 سبتمبر، لكنهم هناك فى نيويورك استدعوا سيارات الإسعاف والمطافئ وقوات الدفاع المدنى أما نحن هنا فى مصر فقد قزقزت الدولة اللب أمام الشاشة ومنح المسئولون له بعض المسكنات لعلاج السرطان الذى أصاب كبد وقلب وعقل ماسبيرو، من يتجول فى مبنى ماسبيرو يدرك جيداً أنه من الممكن أن يدار وبمنتهى النجاح بواحد على عشرة أو حتى على مائة من هذا الجيش الرهيب من الموظفين الذى يتجاوز الثلاثين ألفاً، عمالة زائدة وبطالة مقنعة ومرتبات مضمونة آخر الشهر وموظفات متفرغات لتقميع البامية ولف المحشى، وموظفون بعد ساعة من حضورهم يجرون الشباشب من أسفل المكاتب للوضوء استعداداً لصلاة الظهر التى تستغرق تزويغاً لمدة ساعتين فى الزوايا وما حولها من كافيتريات، وبعدها يجهزون أنفسهم لمغادرة المبنى!!، رائحة الأمونيا المنبعثة من دورات المياه اللاآدمية تستقبلك وتودعك مع زخات الحنفيات البايظة التى تبحث عن جلدة تائهة فى الأرشيف!، دورة المياه البايظة والحنفية البايظة والموظف البايظ ما هى إلا انعكاس أو مرآة للترهل العام الذى أصاب الجهاز العصبى لمؤسسات الدولة ككل، الذى يحتاج حسماً وحزماً، لم يعد هناك مكان للإبداع فى المبنى أو مكافآت للمتميزين فقد انتشرت فى المبنى شعارات ثورية يرددها أكثر الناس رجعية وتخلفاً وكسلاً، على رأسها شعار «كلنا ولاد تسعة وزى بعض ونقبض متساويين»، وفى العمل الإعلامى الإبداعى التنافسى لا تنفع تلك النظرية التى تنتمى إلى وزارة الشئون الاجتماعية وملاجئ العجزة!!، أما الإخوان وخلاياهم النائمة والنشطة داخل المبنى فحدث ولا حرج، هم إيدز ينخر فى جهاز المناعة التليفزيونى ويخرب فيه بلا رحمة، وبهذا اتحد الفشل مع المؤامرة فى عصبة وعصابة لا تقابلها الدولة بالحسم الأردوغانى الذى يمارس فى تركيا مع من يشتبه فى تبعيته للمنقلبين على رئيس تركيا، بل تقابل بالطبطبة واليد المرتعشة، الدولة تطنش منذ أن أذيعت إنجازات مرسى بعد ثورة 30 يونيو وحتى حديث نيويورك المذكور مروراً بكارثة حوار الرئيس مع أسامة كمال!!، ومثل بلدياتنا الذى صفع على قفاه ألف مرة على سهوة صفعت الدولة التى اعتبرت إلغاء وزارة الإعلام عملاً ثورياً عظيماً على قفاها مليون مرة وعلى سهوة أيضاً!!، لكن هل التليفزيون فقط هو الذى تسكن جسده المتهالك خلايا الإخوان السرطانية؟، بالطبع لا فالدولة تترك وزارة التعليم والتى هى أهم من ماسبيرو بمراحل، وهى التى تشكل عقول الجيل الجديد مرتعاً للإخوان وساحة للسلفيين ومثلها جهات حساسة كثيرة لم نكن لنتصور أن تصل إليها مثل الشرطة!!، إذن ماسبيرو إفراز ثقافة اللا «برفيكشن» وعدم الإجادة واللكلكة والطلسأة التى باتت سمة مصرية لصيقة بنا كالوشم فى الروح.