تظل جائزة نوبل فى الأدب هى أكثر الجوائز إثارة للجدل والفضول والتكهنات ودائماً يحدث انقسام فى الأوساط الثقافية وغالباً لا يرضى عنها الجميع، أعتقد أن كل هذا التضارب والجدل واللغط يعود إلى أننا نتعامل مع منتج إبداعى أدبى يخضع لاختلاف أذواق المتلقين والقراء والمتذوقين، فالشعر أو الرواية أو القصة ليست معادلات رياضية أو كيميائية منضبطة لها مردود تكنولوجى أو علاجى واضح، كما فى جوائز الطب والفيزياء والكيمياء، أيام قليلة أو بالأصح ساعات قليلة، وتعلن النتيجة، والأسماء كثيرة ولكن هناك اسم أراهن عليه شخصياً؛ أولاً لوزنه وقيمته الأدبية، وثانياً لتكرار ذكره كل عام وتخطيه مثلما يحدث مع الشاعر «أدونيس» وبالطبع من الممكن أن أخسر الرهان بكل سهولة فما أكثر مفاجآت لجنة التحكيم وتعمدهم أحياناً لكل ما هو خارج عن التكهنات، ولكن يكفينا شرف المحاولة وفتح شهيتك لقراءة هذا المبدع العبقرى. هاروكى موراكامى، إنه الروائى اليابانى والمرشح الأوفر حظاً الذى حفر لنفسه طريقاً متفرداً ومتميزاً عمن سبقه من مشاهير وعباقرة اليابان فى الرواية مثل كاواباتا وميشيما.. إلخ، يعرفه القراء العرب من خلال روايته الشهيرة المترجمة «كافكا على الشاطئ» والأقل شهرة «نعاس» وIq84، كتبت إحدى قارئاته العاشقات لرواياته «من يقرأ لهاروكى يعرف أن بين يديه كنزاً أكبر من مجرد كتاب، وأن هاروكى نفسه أكثر من مجرد كاتب، الكتاب -أى كتاب- ملىء بأشخاص من لحم ودم، ومعزوفات وقطع موسيقية نادرة وجميلة وعذبة، واقتراحات لكتب أخرى رائعة وتحذيرات من كتب مُخيّبة للآمال، وأماكن يجب أن تزورها، وحقائق يختصر عليك الزمن ويخبرها لك، وحكمة لا يرفع العصا كى يعلمها، ونهم للحياة ولمتعتها، وزهد فيها إذا كانت بلا حُب»، يتهمه بعض اليابانيين بأنه «ليس يابانياً بما يكفى، والبعض يطلق عليه لقب «كافكا اليابان»، عاشق مجنون للقطط والموسيقى، يفضل العزلة ولا يسافر خارج اليابان إلا قليلاً، معظم المثقفين العرب المتعاطين مع السياسة الذين يقيمون الإبداع دائماً من منظور السياسة لم يتعرفوا عليه إلا بعد تلقّيه «جائزة القدس» عام 2009، إذ تزامنت الجائزة مع العدوان الإسرائيلى على غزة، لكنه أصر على قبول الجائزة وحضور المراسم رغم التظاهرات التى شهدتها اليابان ضد العدوان الإسرائيلى، والداعية إلى وجوب مقاطعته الكيان الإسرائيلى ورفضه الجائزة. ولكنه سافر إلى القدس ليلقى كلمة وصفت بأنها كلمة «تقريعية لسياسات إسرائيل»، مكتفياً بالقول «إنّ كلاً منا يمتلك روحاً حية ملموسة، لا يمتلكها النظام. ويجب ألا نسمح للنظام باستغلالنا»، أقتبس لكم بعض عباراته الساحرة من أشهر رواياته «كافكا على الشاطئ» لتتعرفوا عليه أكثر: «يجب أن تنظر، وهذه قاعدة أخرى من قواعدنا. إغماض العينين لن يغير شيئاً. لا شىء سيختفى لمجرد أنك لا تريد أن تراه. بل ستجد أن الأمر ازداد سوءاً فى المرة التالية التى تنظر فيها. هذا هو العالم الذى نحيا فيه. ابق عينيك مفتوحتين على وسعهما. الجبان فقط هو من يغمض عينيه. إغماض عينيك وسد أذنيك لن يوقف الزمن». «القدر أحياناً كعاصفة رملية صغيرة لا تنفك تغير اتجاهاتها، لكنها تلاحقك، تراوغها مرة بعد أخرى لكنها تتكيف مع كل فجر جديد لا يكون العالم هو نفسه، ولا تكون أنت الشخص نفسه، التفكير بلا جدوى، أسوأ من عدم التفكير يمكنك وأنت مستيقظ أن تقمع الخيال، أما الأحلام فلا يمكنك قمعها». «بركة ماء مظلمة تحاصرنى، على الأرجح أنها موجودة طوال الوقت. مختبئة فى مكان ما. لكن عندما يحين الوقت تندفع مياهها فى صمت، تقشعر كل خلية فى جسمك. تغرق فى ذلك السيل الجارف محاولاً التنفس. تحاول الوصول إلى منفذ ما عند سطح الماء، تكافح، لكن الهواء الذى تفلح فى تنفسه جاف يلسع حنجرتك. ماء وعطش، برد وحرارة، أضداد تجتمع ضدك. العالم كون واسع، لكن الفضاء الذى سيحتويك -الذى ليس بالضرورة أن يكون كبيراً جداً- لا وجود له. تبحث عن صوت، فماذا تجد؟ الصمت، تبحث عن الصمت، فماذا تسمع؟ ليس إلا نذير الشؤم إياه يعيد نفسه مراراً».