لم أندهش من مانشيت «الوطن» أمس عن تشجيع الإخوان لفريق جنوب أفريقيا ورفع شعارات رابعة فى المدرجات هناك، لأنهم ببساطة تصرفوا هذا التصرف من قبل وفعلوا مثله وأكثر وأشد فجاجة عندما شجعوا منذ سنوات وفى التصفيات منتخب غانا ضد منتخبنا الوطنى، وليس ضد زمالك أو أهلى وقاموا بالدعاء على منتخبنا بالهزيمة وعملوا هاشتاجات وبوستات تتمنى هزيمة مصر واحتفلوا ورقصوا فى الشوارع والمقاهى وهتفوا لكل هجمة على مرمانا وهدف فى شباكنا!!، اندهشت فقط من أننا ما زلنا نطرح التساؤل الذى طرح أمس على الصفحة الأولى، هل ما زلنا نتساءل «هل الإخوان مصريون؟»، اندهشت وتعجبت لأن الإجابة محسومة، الإخوان لا يعرفون معنى الوطن، لا يدركون كلمة الانتماء، هم جالية أو عصابة أو تنظيم داخل دولة، مصر بالنسبة إليهم سكن لا وطن، الإخوان يعتبرون مصر حقيبة على سير مطار، أو غرفة فى فندق يبيتون فيها عدة ليالٍ ثم يتركونها، إحساسهم بالنسبة لمصر هو نفس إحساس أى بنى آدم يسكن فى غرفة فندق، علبة سجاير فى كشك، استمتع بها ثم دُس عليها بحذائك بعد مصمصة عظامها، وبعد أن تتحول إلى مجرد «عُقب»، لا يهمه نظافة الغرفة أو ترتيبها أو تنسيقها أو كعبلتها، باختصار «اياكش تولع»، علاقة الإخوانى بمصر هى «اياكش تولع»، يزرعون هذه الثقافة جيلاً بعد جيل، عندما غنى «الحجار» كلمات مدحت العدل التى تقول «إحنا شعب وهما شعب»، كانت جملة عبقرية لخصت رحلة صراع استطاعوا فيه أن ينتصروا ويركبوا بتزييف وعى المصريين الذى للأسف ساهمت فيه ظروف وعوامل كثيرة على رأسها الدولة نفسها للأسف الشديد، مشكلتنا مع الإخوان ليست خلافاً على خطة اقتصادية أو ارتباك سياسى أو تضارب مصالح، لكن الخلاف هو على الهوية، من الممكن أن تغير كمية إنزيمات الجسد ونسب هرموناته بل وتزرع أعضاء أو خلايا، لكن أن تغير وتدمر وتذيب الـ«دى إن إيه»، شفرة الهوية، إذن أنت تنفى وتخرب وتقتل وتغتال الشخصية والوجود والتحقق الإنسانى، هوية الوطن ومعناه، هذا هو لب الخلاف، الإخوانى حلمه الخلافة الإسلامية التى عبر عنها مرشدهم فى تفضيله أن يحكم مصر أفغانى أو ماليزى إخوانى، على أن يحكمها مصرى غير إخوانى، وطبعاً لو كان قبطياً كانت الكارثة أكبر والمصيبة أفدح!!، «مرسى» عندما سمح للحمساوية وشذاذ الآفاق أن يحتلوا سيناء كان يطبق نفس المفهوم، وبعدها عندما سمح لوثائق الأمن القومى أن يطلع عليها إخوان قطر وأعضاء التنظيم الدولى كان يحقق نفس الحلم، الإخوانى مشكلته ليست مع تشجيع كرة القدم منتخباً أو أندية، ولكن مشكلته مع الوطن كله، ما الترمومتر الذى تقيس به حرارة انتماء الإخوانى أو جهاز الأشعة الذى يكشفه؟، الإخوانى لا يبكى مع أغنية «يا حبيبتى يا مصر»، ولا تدمع عيناه عند سماع «وإحنا فايتين ع الحدود»، ولا ينفعل مع لحن بليغ حمدى فى «على الربابة باغنى»!، الإخوانى لا يفرح لمكسب زويل أو نجيب محفوظ لنوبل، الإخوانى لا يرفرف قلبه فرحاً عندما يرى أهرامات مصر أو قلعتها على شاشة التليفزيون وهو فى الخارج، الإخوانى لا يرقص على نغمات على إسماعيل وفرقة رضا فى «حلاوة شمسنا»، الإخوانى لا يضحك ولا يفرح إلا فى موت جنودنا لأن هذا سيقربه هو وعصابته من حلمهم الأزلى المقدس، الإخوان لا يضحكون على نجيب الريحانى لأنه مسيحى ولا يضحكون على عادل إمام لأنه ذهب إلى أسيوط ليعرض مسرحيته ضد الإرهاب، بل إنهم لا يضحكون على مسرحياتنا الكوميدية كلها لأنهم لا يعرفون روح الدعابة التى لا يعرفها إلا كل من لا يعانى سقم الروح وجفاف الوجدان، وهم متصحرو الروح والوجدان بامتياز، للأسف ما زالت وستظل «همّا شعب وإحنا شعب» عملة قابلة للتداول فى كل العصور والأزمان.