25 نوفمبر هو اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة، ولكن متى يبدأ العنف ضدها وفى أى سن؟ من الممكن أن تصف عنوان المقال باللامنطقى فكيف يصير عنفاً ضد المرأة وهى لم تولد بعد! لكن الحقيقة أن العنف يمارس ضدها وهى ما زالت فكرة، وهى ما زالت خلية تتشكل فى الرحم، يتخذ المجتمع ضدها موقفاً متربصاً متحفزاً، يقول الوعى الجمعى عند ولادتها:ف ها هى فريسة ستولد وضيف غير مرغوب فيه سيحل على بيتنا، ها هى مصيبة قد أضيفت وها هو عبء قد تم وضعه على كاهلنا وعورة تمشى على قدمين صرنا متكفلين برقابتها حتى لا تفضحنا، «يا مخلفة البنات يا مخلفة الهم للممات»، «ولما قالوا دى بنية اتهدت الحيطة عليّا، ولما قالوا ده ولد اشتد ضهرى واتسند»، «واكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين»، هكذا تُستقبل البنت فى ثقافتنا الشعبية، وهكذا يتعامل الفولكلور الذى هو ترجمة حس البسطاء مع الأنثى، هذه العبارات هى أول مظاهر العنف ضد الطفلة التى من المفروض أن يستقبلها المجتمع بالترحاب على أنها ضيف فاعل وأساسى وليس على أنها احتياطى أو رديف للبطل الأصلى المغوار وهو الطفل الذكر، الذى ينتظره الأهل على أحر من الجمر، مهما كان فى البيت من طابور إناث، وهذا العنف الفولكلورى هو أقسى أنواع العنف، لأنه يتعامل مع المجهول ويصادر على المستقبل، فهذه الطفلة المولودة لا ينتظر المجتمع حتى تقدم أوراق تفوقها أو حيثيات نجاحها، ولكن هى متهمة إلى أن تثبت براءتها، وحتى عندما تثبت هذه البراءة فهى براءة ليست موجودة فى جيناتها الوراثية ولكنها براءة ممنوحة بصك مدموغ من الرجل، والفولكلور لا يتعامل بهذا الجفاء مع الطفلة حين ولادتها فقط، وإنما يمتد هذا الجفاء وهذه العدوانية معها فى مسيرة الحياة بعد ذلك، فالمرأة لا بد أن تكون عروسة حلاوة ويا ريت تبقى عروسة لنفسها ولسعادتها الشخصية ولكن لإسعاد الرجل الذى لا بد أن تضبط موجتها الخاصة على ريموت كنتروله الحساس، فهى لا بد أن تكون مفرفشة حتى لا يعبث فى الخارج ويرجع بيته بدرى «اللى مراته مفرفشة يرجع البيت من العشا» و«خد المليح واستريح» أو «خد الحلو واقعد قباله وإن جعت شاهد جماله»، وهى لا بد أن تبحث عن الزواج ليس لأنه يحقق تناغماً وانسجاماً ولكن لأنه يحقق أماناً وحماية فـ«ضل راجل ولا ضل حيطة»، والمرأة لا تأخذ مكانتها الاجتماعية إلا من خلال الزوج «حُرمة من غير راجل زى الطربوش من غير زر»، بل أكثر من ذلك سعادتها مرتبطة بمزاجه و«المود» بتاع سيادته الذى مهما تقلب فعليها أن تضبط ترموستات عواطفها على درجة حرارته الشخصية «اللى جوزها يحبها الشمس تطلع لها»، ويزيد الفولكلور الشعبى فى بيان أسباب تبنيه لمفهوم البنت هم للممات بأنها لا تؤتمن على سر «يا ويل من أعطى سره لمراته يا طول عذابه وشتاته»، وهى لا يوثق ولا يعتد برأيها «الراجل ابن الراجل اللى عمره ما يشاور مراته»، ولذلك فمن حق الناس مواساة من تلد بنتاً بقولهم «إن شالله تزينيها بعريس» لأن «صوت حية ولا صوت بنية»، و«ابنى حمال همى وبنتى جلاب همى»، و«الصبى حمال المصايب والبنت بلوة عالأهل وعالقرايب»، ويحتفل الأهل بسبوع الولد بأبريق فخم مذهب، أما البنت فبمجرد «قلة» بالطبع لكسرها وراها بعد أن تذهب لبيت الزوجية، ويظل العقل الجمعى الذى ينبض بكراهية واحتقار المرأة يضغط على الجميع فتقتنع الأنثى بأنها بالفعل هم وابتلاء ويقتنع الرجل بأن طلاق من تنجب إناثاً هو حق شرعى، لأنه مش ناقص هموم وبلاوى أو على رأى المثل المشرحة مش ناقصة قتلى!!